سنتان من التشكيل بين المكتوب والمأمول!

د. علي العسلي
الثلاثاء ، ٠٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٣١ صباحاً

 

عامان مرّا، كلمح بالبصر.. فيوم أمس كان تاريخ موعد تشكيل مجلس القيادة الرئاسي.. تُرى.. ماذا تحقق مما هو مكتوب في إعلان نقل السلطة؟!؛

سنتان انقضت من عمر مجلس القيادة الرئاسي، وجرت العادة ان يهتمّ المهتمين بالتقييم في المائة اليوم الأولى، علي اعتبار أن فيها تتكون ملامح التوجه والبرامج والخطط، ويرسم فيها معالم الخطوط الرئيسية للفترة المقبلة، ويكون فيها قد اتخذت بعض الإجراءات والتشريعات المطلوبة، ووفقاً لذلك ينم الحكم؛

أما بعد سنتين فالانصاف يقتضي إسقاط ما تم إنجازه على القواعد الحاكمة لتشكيل مجلس القيادة الرئاسي، والأهداف المرجوة من ذلك التشكيل؛ وهدا ما ساتبعه، واترك الحكم للقارئ الكريم ، دون الخوض في تقييم عدمي أو مبالغ فيه!؛

وللحديث عن الإنجازات يلجأ البعض للتصوير البلاغي، فبعضهم يضخم. والبعض الأخر يعدم الإنجاز ، والقليل جدا من ينصفون بموضوعية وحيادية!؛

فقد يقول قائل بأن مجلس القيادة الرئاسي كمؤسسة، خلال السنتين لم يفعل شيئاً يلفت الانتباه.. بل كانت الإخفاقات والفشل ملازمة له، وقد يرجعها للتباىن بين الأعضاء ولخذلان الداعمين، وقد يغالي من يغالي لينسب لشخوص بعض أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، هي في الواقع اخفاقات ومعيقة للمجلس من إحداث الإنجازات المطلوبة.. فكل يدندن لمحبوبه على هواه، كما يشاء!

وتبقى الحقيقة، هي الحقيقة، والإنجاز أو الإخفاق،ملموساً يتحدث عن نفسه، ولا بحتاج لمزايد أو لمدّعي أو لحاسد!؛

منهجية هذ المقال هي عرض ما قام به المجلس وإسقاطها على بعض اهم مواد إعلان نقل السلطة.. والغاية من ذلك تحفيز مجلس القيادة الرئاسي على تنفيذ ما تم صياغته في إعلان نقل السلطة كحد أدنى، وهو لا يرتقي ابداً للطموح وما كان مامولاً !؛وكذلك لمساعدة القراء على الحكم الشخصي بسهولة ويسر، دون اللجوء إلى المنظر والمنحازين !؛

إن أهم ما تحقق من إعلان الرئيس هادي، هو نقل السلطة إلى مجلس قيادة رئاسي جديد. كذلك التزام َ مجلس القيادة الرئاسي من جانب واحد بتنفيذ الهُدن التي تزامن تنفيذها منذ أول يوم تشكل المجلس، واستمرت خلال السنتين، كهدن هشة - فيها خروقات لا تحصى من قبل الحوثي، إضافة لرفضه تنفيذ رفع الحصار عن تعز في بنود الهدنة -، ومع ذلك نستطيع أن نطلق عليها انجاز، حيث فعلاً قللت الدماء التي كانت تسكب على الأرض اليمنية؛

كذلك من الإنجازات وقف التوترات التي كانت حاصلة بين القوى الفاعلة على الأرض في مناطق سيطرة الشرعية؛

ومن الإنجازات أيضاً المحافظة على الوفاء بالالتزامات التحمية للدولة بدعم من رعاة المشاورات اليمنية-اليمنية، وأخص بالذكر، المملكة العربية السعودية، لأن الحوثي بعد تشكيل مجلس القيادة بشهور، استخدم القوة واستهدف الموانئ واستطاع توقيف تصدير النفط الذي كان يوفر بحدود سبعين في المائة من الالتزامات الحتمية على الدولة!؛ ومن الإنجازات استطاع مجلس القيادة الرئاسي، إعادة هيكلة القضاء وتفعيله بعد أن كان مشلولاً بسبب الاضرابات من بعض منتسبيه في المحافظات الجنوبية، ومن الإنجازات كذلك استطاع مجلس القيادة الرئاسي إعادة الثقة بالسلطة الشرعية من قبل الدول والمنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة كالبنك آلدولي، حيث قدمت مساعدات وقروض، واستطاعت الحكومة توظيفها في استحقاقات كثيرة!؛

تلك هي أهم الإنجازات العمومية التي أردت التذكير بها هنا!

وإذا ما اسقطنا ما تم بالسنتين الماضيتين على ماهو مكتوب بوثيقة إعلان نقل السلطة، سنجد أنه:-

 لا يزال الخطر ماثلاً من جراء ممارسة وسلوك البعض في عدم احترام دستور الجمهورية وقوانينها، ومن عدم الوفاء بتجسيد إرادة الشعب اليمني، ومن تعمّد تشويه وتخديش الوحدة الوطنية ومبادئ وأهداف الثورة اليمنية وعدم حمايتها، ومن تجفيف الحياة السياسية ومن الابطاء والتأخير في الوصول إلى النهج الديمقراطي والالتزام بالتداول السلمي للسلطة.

ولا زالت تلبية طموحات الشعب اليمني، في التغيير والإصلاح بعيدة المنال، ولا تزال عناصر إنهاء التوترات سياسياً وأمنياً على المحك. ولا يزال الخطر محدقاً على وحدة اليمن وسيادته واستقلاله وسلامته الإقليمية ووحدة أراضيه!؛

حيث يلجأ بعض ممن انضم للسلطة الشرعية ووفقاً لدستور وقوانين الجمهورية اليمنية، للإساءة للجمهورية مع سبق الاصرار والترصد، ولا يزال يتحيّن الفرص للإنقضاض على مكتسبات الجمهورية ومؤسساتها التي تحاول القيادة إعادة بناءها من جديد، يريدونها لتكون نواة لمشروعهم الانفصالي على حساب الجمهورية ومشروعها الجامع.

ولا يزال تحقق الشراكة الواسعة والتوزيع العادل للثروات، وحماية الجميع، وتحقيق جوهر مخرجات الحوار الوطني الشامل،في مهب الريح، ويتضرر هذا المبدأ المكتوب بالإعلان باستمرار، بسبب المجاملات والمحابات والترضية، واستغلال الإقرار بضرورة عدم تكرار الظلم الجنوبيين مرّة أخرى ، لكن هذه المظلومة يريد المنتقمون تكرارها في مناطق أخرى، بابتداع ظلم جديد اسمه المناصفة، الذي يوظف بشكل اقصائي ظالم، يستفيد منه دعاة القروية وليس أبناء المحافظات الجنوبية.

ولا يزال إدارة الدولة سياسياً وعسكرياً وأمنياً طوال المرحلة الانتقالية من قبل مجلس القيادة الرئاسي كوحدة واحدة، تحت الاختبار، فكل محاولات الاختبار السابقة لم يكتب للمجلس النجاح فيها.

ولا تزال اللجنة الأمنية والعسكرية المشتركة المشكلة لتحقيق الأمن والاستقرار ولهيكلة كل التشكيلات في إطار وزارة الدفاع متعثرة، بعد مرور عامين من على تشكّل المجلس.

ولا يزال اليمنيون ينتظرون بأمل، تعزيز المساواة بين المواطنين في كافة الحقوق والواجبات وتحقيق الشراكة الواسعة.

ولا تزال القواعد المنظمة لأعمال مجلس القيادة الرئاسي وهيئة التشاور والمصالحة والفريق القانوني والفريق الاقتصادي المشكلين بموجب إعلان نقل السلطة، لم تعتمد بعد، ولم يصدر بها قانون، وكان المطلوب اعتمادها من قبل رئيس مجلس القيادة الرئاسي خلال (15) يوماً من تاريخ رفع توصية الفريق القانوني بمسودة القواعد المنظمة.. فكم مرّ على ذلك من وقت؟!؛

فالقواعد مهمة، كي تنهي المزاجية والتجاوزات والشطحات المخالفة لإعلان نقل السلطة، ومن ذلك أن للانتقالي - - مثلا -، ممثلاً في مجلس القيادة الرئاسي بالأخ اللواء عيدروس الزبيدي، غير انه جرت عملية استقطاب لعضويين من أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، وأصبح تمثيل الانتقالي بثلاثة، وهذا خلل جسيم، واظنه مخالف للهدف من اختيار تلك الشخصيات في المجلس، ومن مقصد إعلان نقل السلطة ايضاً.

ولا تزال هيئة التشاور والمصالحة، لم تقم بدعم ومساندة مجلس القيادة الرئاسي في العمل على توحيد وجمع القوى الوطنية بما يعزز جهود مجلس القيادة الرئاسي وتهيئة الظروف المناسبة لوقف الاقتتال والصراعات بين كافة القوى والتوصل لسلام يحقق الأمن والاستقرار في كافة أنحاء الجمهورية. بل ان الأمر الغريب العجيب ان تتشكل لجانها الأساسية الخمس قبل يومين فقط، من بلوغ تشكيل مجلس القيادة الرئاسي عامه الثاني!؛ ولم تعمل هذه الهيئة بعد، على توحيد رؤى وأهداف القوى والمكونات الوطنية المختلفة، بما يسهم في استعادة مؤسسات الدولة، وترسيخ انتماء اليمن إلى حاضنته العربية.

والحقيقة الماثلة أمامنا هو أن الفريق القانوني المشكّل بموجب إعلان نقل السلطة هو ربما الوحيد الذي أنجز ما كلف فيه من مهام، حيث صاغ مسودة القواعد المنظمة بمدّة قياسية ، لكنها لم تعتمد ولم تصدر بقانون حتى الآن؛

ولا يزال هذا الفريق لا يُستعان به من قبل مجلس القيادة الرئاسي في تقديم الرأي الاستشاري في شأن الموضوعات التشريعية والدستورية لمجلس القيادة الرئاسي بناءً على طلب من رئيس المجلس.

ولا زلنا لم نسمع عن التئام الفريق الاقتصادي المتشكل بموجب إعلان نقل السلطة، في ظروف الحرب اللعينة الحوثية على الاقتصاد، ومنها منع تصدير النفط، وعدم السماح للعملة المطبوعة من التداول، بل وطبع عملة معدنية مزورة من قبل الحوثي. وهذا الفريق لم نطّلع منه أن قدّم ما يدعم الإصلاحات الحكومية، ولا تقديم النصح والمشورة للحكومة والبنك المركزي فيما يخص الإصلاحات العاجلة في المجالات الاقتصادية والتنموية والمالية والنقدية، ولا أن قام بدراسة التحديات الاقتصادية والعمل على إرساء أسس التنمية المستدامة ورسم الخطط اللازمة للتنمية الاقتصادية وطرح الحلول التحفيزية للنمو الاقتصادي، والعمل على زيادة إيرادات الدولة ورفع كفاءة التحصيل، وتنويع القاعدة الاقتصادية.

وعلى الرغم من ورود تأكيد في المادة الخامسة من إعلان نقل السلطة على استمرارية ولايتي مجلس النواب ومجلس الشورى في مهامهما المناطة بهما، إلا أن الواقع يشي إلى أن هناك قوى تقوم بتعطيل عملهما وإعاقتهما عن أدا مهامهما الدستورية.

وبعد مرور عامين على تشكيل مجلس القيادة الرئاسي، تحقق إلى حدما شق الهدنة من المادة السابعة الرامية للحل السياسي الشامل مع الحوثيين؛

إلا أن الشق الغائي، لم يتحقق بضرورة الجلوس على طاولة المفاوضات بين الحوثيين ومجلس القيادة الرئاسي للتوصل إلى حل سياسي نهائي وشامل يتضمن مرحلة انتقالية تنقل اليمن من حالة الحرب إلى حالة السلام.!فمجلس القيادة الرئاسي يقول انه مجلس سلام، بينما الحوثيين يعتبرونهم عملاء ومرتزقة، فكيف سيتغلب مجلس القيادة على هذه الإشكالية؟

وعلى العموم كان رئيس مجلس القيادة قد ظهر من على شاشة العربية والعربية الحدث ليجمل إنجازات المجلس والتحديات والصعوبات بمناسبة مرور سنتين على تشكيل مجلس القيادة الرئاسي، ومن تلك التحديات والصعوبات منع الحوثي للتصدير لتعطيل عمل المجلس وعدم استطاعة القيادة إقناع العالم بتوفير الأسلحة المناسبة لردع الحوثي وخاصة بالدفاع الجوي المتطور للحفاظ على المكتسبات وتامين تصدير النفط!؛ ومع ذلك أكد ان التشكيلات تعمل من غرفة واحدة وانها جاهزة وقادرة على تحقيق الانتصار وجلب الحوثي للسلام.. وربما سنخصص تحليل اعمق لمقابلات الرئيس بمشاركة قادمة..

أختم فأقول،؛ واجب وجواباً التقيد بتنفيذ النصوص المكتوبة، للبرهنة على المصداقية واحترام الذات، الموجب لاحترام الأخرين.. ومطلوب - وهذا هو الغرض من هذا المقال، للفت انتباه القيادة- تسريع الخطى وتنفيذ المكتوب في إعلان نقل السلطة بمواعيد زمنية محددة.. أما المأمول، فقد نكون بعيدين عنه في الوقت الحالي، والحديث عنه يعد ترفاً!

 وعيد سعيد وكل عام والجميع واليمن وكل اليمنيين بالف الف خير!

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الحجر الصحفي في زمن الحوثي