الإسلام والإيمان والتقوى والعمل الصالح مفاتيح نهضة الأمة

د. عبده مغلس
الجمعة ، ١٢ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٢٤ مساءً

 

 

بهجر كتاب الله اختلطت المفاهيم الدينية والإيمانية، وغاب الدين الحق، من حياة الناس، وظهر بديلاً لذلك الرأي، القائم على التفسيرات والتأويلات المغلوطة، التي تخدم توظيف الفقه المغلوط، حيث عمد الفقه المغلوط، لإبعاد عقل الأمة ووعيها الجمعي، عن أهم ركيزة لدين الله الإسلام بجانب الإيمان، ومرتبطة به دون انفصام، وهي ركيزة عمل الصالحات والتقوى، فلا إيمان دونها، فتاهت الأمة في دهاليز كتب الفقه، ورواياته المختلفة والمتناقضة، فخرجت عن مسار القرآن ودلالة آياته البينات، ولإعادة الأمة لخط سيرها ومسيرها، علينا أن نستعيد كتاب وحي الله، ونعيده ليكون المحرك والموجه الفاعل، لعقل الأمة ونهضتها، ونتدبر آياته، لنعرف دين الله الحق، كما فعل المؤمنون الأوائل، فسادوا الدنيا، وبهذا سنستعيد دورنا وريادتنا، كمسلمين مؤمنين.

وحول موضوعنا نستلهم دلالة قوله سبحانه:

﴿إِنَّ ٱلدِّینَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَـٰمُۗ وَمَا ٱخۡتَلَفَ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡكِتَـٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَاۤءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡیَۢا بَیۡنَهُمۡۗ وَمَن یَكۡفُرۡ بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِیعُ ٱلۡحِسَابِ﴾ [آل عمران ١٩]

﴿وَمَن یَبۡتَغِ غَیۡرَ ٱلۡإِسۡلَـٰمِ دِینࣰا فَلَن یُقۡبَلَ مِنۡهُ وَهُوَ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ مِنَ ٱلۡخَـٰسِرِینَ﴾ [آل عمران ٨٥]

﴿…… ٱلۡیَوۡمَ یَىِٕسَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مِن دِینِكُمۡ فَلَا تَخۡشَوۡهُمۡ وَٱخۡشَوۡنِۚ ٱلۡیَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِینَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَیۡكُمۡ نِعۡمَتِی وَرَضِیتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَـٰمَ دِینࣰاۚ ……..﴾ [المائدة ٣]

﴿لَیۡسَ عَلَى ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ جُنَاحࣱ فِیمَا طَعِمُوۤا۟ إِذَا مَا ٱتَّقَوا۟ وَّءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ ثُمَّ ٱتَّقَوا۟ وَّءَامَنُوا۟ ثُمَّ ٱتَّقَوا۟ وَّأَحۡسَنُوا۟ۚ وَٱللَّهُ یُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِینَ﴾ [المائدة ٩٣]

﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ﴾ [آل عمران ١٠٢]

﴿فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ وَٱسۡمَعُوا۟ وَأَطِیعُوا۟ وَأَنفِقُوا۟ خَیۡرࣰا لِّأَنفُسِكُمۡۗ وَمَن یُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ﴾ [التغابن ١٦]

وفي هذه الآيات يؤكد الله ما يلي:

أولا: دين الإسلام هو دين الله لا دين الناس.

فبوحيه الخاتم نجد أن الإسلام، هو دين الله الوحيد، وليس دين رُسله، ولا دين عباده، ولا يوجد دين لله غيره، ولن يقبل الله ديناً غيره، وقد أرسله لخلقه، بمختلف رسالاته ورسله وملله، مرافقاً تطورهم الإنساني، حتى أكمله الله وأتمه، في الرسالة الخاتم، التي بلّغها رسوله ونبيه الخاتم محمد عليه الصلاة والسلام، وتفصيل مرافقة دين الإسلام لكل الرسل كما يلي:

١- رسول الله نوح حمل رسالة الإسلام.

﴿فَإِن تَوَلَّیۡتُمۡ فَمَا سَأَلۡتُكُم مِّنۡ أَجۡرٍۖ إِنۡ أَجۡرِیَ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِۖ وَأُمِرۡتُ أَنۡ أَكُونَ مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِینَ﴾ [يونس ٧٢]

٢- رسول الله ابراهيم وإسماعيل حملا رسالة الإسلام.

﴿وَإِذۡ یَرۡفَعُ إِبۡرَ ٰ⁠هِـۧمُ ٱلۡقَوَاعِدَ مِنَ ٱلۡبَیۡتِ وَإِسۡمَـٰعِیلُ رَبَّنَا تَقَبَّلۡ مِنَّاۤۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡعَلِیمُ * رَبَّنَا وَٱجۡعَلۡنَا مُسۡلِمَيۡنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةٗ مُّسۡلِمَةٗ لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبۡ عَلَيۡنَآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَٱبۡعَثۡ فِيهِمۡ رَسُولٗا مِّنۡهُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَيُزَكِّيهِمۡۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ ﴾ البقرة ١٢٧-١٢٩.

﴿مَا كَانَ إِبۡرَ ٰ⁠هِیمُ یَهُودِیࣰّا وَلَا نَصۡرَانِیࣰّا وَلَـٰكِن كَانَ حَنِیفࣰا مُّسۡلِمࣰا وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِینَ﴾ [آل عمران ٦٧]

٣- رسول الله يعقوب حمل رسالة الإسلام.

﴿وَوَصَّىٰ بِهَاۤ إِبۡرَ ٰ⁠هِـۧمُ بَنِیهِ وَیَعۡقُوبُ یَـٰبَنِیَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّینَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ﴾ [البقرة ١٣٢]

﴿أَمۡ كُنتُمۡ شُهَدَاۤءَ إِذۡ حَضَرَ یَعۡقُوبَ ٱلۡمَوۡتُ إِذۡ قَالَ لِبَنِیهِ مَا تَعۡبُدُونَ مِنۢ بَعۡدِیۖ قَالُوا۟ نَعۡبُدُ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ ءَابَاۤىِٕكَ إِبۡرَ ٰ⁠هِـۧمَ وَإِسۡمَـٰعِیلَ وَإِسۡحَـٰقَ إِلَـٰهࣰا وَ ٰ⁠حِدࣰا وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ﴾ [البقرة ١٣٣]

٤- رسول الله يوسف حمل رسالة الإسلام.

﴿رَبِّ قَدۡ ءَاتَیۡتَنِی مِنَ ٱلۡمُلۡكِ وَعَلَّمۡتَنِی مِن تَأۡوِیلِ ٱلۡأَحَادِیثِۚ فَاطِرَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِ أَنتَ وَلِیِّۦ فِی ٱلدُّنۡیَا وَٱلۡـَٔاخِرَةِۖ تَوَفَّنِی مُسۡلِمࣰا وَأَلۡحِقۡنِی بِٱلصَّـٰلِحِینَ﴾ [يوسف ١٠١]

٥- رسول الله سليمان حمل رسالة الإسلام.

﴿إِنَّهُۥ مِن سُلَیۡمَـٰنَ وَإِنَّهُۥ بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِیمِ * أَلَّا تَعۡلُواْ عَلَيَّ وَأۡتُونِي مُسۡلِمِينَ ﴾ النمل ٣٠، ٣١.

﴿قِیلَ لَهَا ٱدۡخُلِی ٱلصَّرۡحَۖ فَلَمَّا رَأَتۡهُ حَسِبَتۡهُ لُجَّةࣰ وَكَشَفَتۡ عَن سَاقَیۡهَاۚ قَالَ إِنَّهُۥ صَرۡحࣱ مُّمَرَّدࣱ مِّن قَوَارِیرَۗ قَالَتۡ رَبِّ إِنِّی ظَلَمۡتُ نَفۡسِی وَأَسۡلَمۡتُ مَعَ سُلَیۡمَـٰنَ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ﴾ [النمل ٤٤].

٦- رسول الله موسى حمل رسالة الإسلام.

﴿وَقَالَ مُوسَىٰ یَـٰقَوۡمِ إِن كُنتُمۡ ءَامَنتُم بِٱللَّهِ فَعَلَیۡهِ تَوَكَّلُوۤا۟ إِن كُنتُم مُّسۡلِمِینَ﴾ [يونس ٨٤]

٧- رسول الله عيسى حمل رسالة الإسلام.

﴿فَلَمَّاۤ أَحَسَّ عِیسَىٰ مِنۡهُمُ ٱلۡكُفۡرَ قَالَ مَنۡ أَنصَارِیۤ إِلَى ٱللَّهِۖ قَالَ ٱلۡحَوَارِیُّونَ نَحۡنُ أَنصَارُ ٱللَّهِ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَٱشۡهَدۡ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ﴾ [آل عمران ٥٢]

٨- رسول الله محمد حمل رسالة الإسلام الخاتم.

﴿وَأُمِرۡتُ لِأَنۡ أَكُونَ أَوَّلَ ٱلۡمُسۡلِمِینَ﴾ [الزمر ١٢]

﴿إِنَّمَاۤ أُمِرۡتُ أَنۡ أَعۡبُدَ رَبَّ هَـٰذِهِ ٱلۡبَلۡدَةِ ٱلَّذِی حَرَّمَهَا وَلَهُۥ كُلُّ شَیۡءࣲۖ وَأُمِرۡتُ أَنۡ أَكُونَ مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِینَ﴾ [النمل ٩١]

﴿قُلۡ إِنِّی نُهِیتُ أَنۡ أَعۡبُدَ ٱلَّذِینَ تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَمَّا جَاۤءَنِیَ ٱلۡبَیِّنَـٰتُ مِن رَّبِّی وَأُمِرۡتُ أَنۡ أُسۡلِمَ لِرَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ﴾ [غافر ٦٦]

ثانياً: بيّن الله وفصّل أنواع الإيمان والتقوى.

أنواع الإيمان والتقوى.

يقول سبحانه ﴿لَیۡسَ عَلَى ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ جُنَاحࣱ فِیمَا طَعِمُوۤا۟ إِذَا مَا ٱتَّقَوا۟ وَّءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ ثُمَّ ٱتَّقَوا۟ وَّءَامَنُوا۟ ثُمَّ ٱتَّقَوا۟ وَّأَحۡسَنُوا۟ۚ وَٱللَّهُ یُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِینَ﴾ [المائدة ٩٣]

نجد في هذه الآية تفصيل لأنواع الإيمان والتقوى:

 أ- أنواع الإيمان.

١-الإيمان الأول "الإيمان بالله وتوحيده".

وهو الإيمان بالله وتوحيده، {إِذَا مَا ٱتَّقَوا۟ وَّءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ}. وهذا هو إيمان دين الإسلام، وعلى رأسه التوحيد، أي الإيمان بالله، واليوم الأخر، والعمل الصالح، وأصحاب هذا الإيمان هم جميع "المسلمون" أي المؤمنون بالإسلام، تحت أي ملة ورسالة، (ملة اليهودية، ملة النصرانية، ملة المؤمنون)، وهذا هو الإيمان الأول الذي يستوجب نطق شهادة أن لا إله إلا الله في الرسالة والملة الخاتم(ملة المؤمنون)، فدين الإسلام يقوم على التوحيد، والعمل الصالح، والعبادة، واتباع صراط الله المستقيم، والإلتزام بالوصايا، ولكل ملة جعل الله شرعة ومنهاحاً خاصاً بها، يقول سبحانه:

﴿وَأَنزَلۡنَاۤ إِلَیۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ بِٱلۡحَقِّ مُصَدِّقࣰا لِّمَا بَیۡنَ یَدَیۡهِ مِنَ ٱلۡكِتَـٰبِ وَمُهَیۡمِنًا عَلَیۡهِۖ فَٱحۡكُم بَیۡنَهُم بِمَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُۖ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَاۤءَهُمۡ عَمَّا جَاۤءَكَ مِنَ ٱلۡحَقِّۚ لِكُلࣲّ جَعَلۡنَا مِنكُمۡ شِرۡعَةࣰ وَمِنۡهَاجࣰاۚ وَلَوۡ شَاۤءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمۡ أُمَّةࣰ وَ ٰ⁠حِدَةࣰ وَلَـٰكِن لِّیَبۡلُوَكُمۡ فِی مَاۤ ءَاتَىٰكُمۡۖ فَٱسۡتَبِقُوا۟ ٱلۡخَیۡرَ ٰ⁠تِۚ إِلَى ٱللَّهِ مَرۡجِعُكُمۡ جَمِیعࣰا فَیُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ فِیهِ تَخۡتَلِفُونَ﴾ [المائدة ٤٨]

٢- الإيمان الثاني.

أي الإيمان برسالة الله الخاتم التي حملها محمد عليه الصلاة والسلام، { ثُمَّ ٱتَّقَوا۟ وَّءَامَنُوا۟} ، وبما أنزل عليه من ربه من كتاب، وأصحاب هذا الإيمان، هم المؤمنون، أي المؤمنون برسالة محمد، الملة الخاتم، ملة المؤمنين بحنيفية إبراهيم، وفيها التكاليف كالصلوات الخمس، وصوم رمضان، والحج وغيرها.

ب: أنواع التقوى:

 وردت كلمة "اتقوا" ثلاث مرات وهذا يدل على وجود ثلاثة أنواع من التقوى كما يلي:

١- تقوى "الإسلام" {إِذَا مَا ٱتَّقَوا۟ وَّءَامَنُوا۟ }. وهي تقوى يجب أن تكون كاملة، ليس فيها تفريط أو تقصير ولا نقصان، فلا يمكن أن تؤمن بالله مثلاً ٩٠٪؜ بل يجب الإيمان به ١٠٠٪؜ ومدلولها في قوله سبحانه(حق تقاته)، ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ﴾ [آل عمران ١٠٢].

ونجد أن أن "الإيمان بالله و "تقوى الإسلام"، يسبقان"الإيمان بالرسول ورسالته" و"تقوى الإيمان بالرسول ورسالته الخاتم"، ولهذا يطلب الله من الذي أمنوا برسالات الإسلام بملله السابقة، أن يؤمنوا برسالة الإسلام الكامل التام، لينالوا تقوى الإيمان، بالرسول والرسالة الخاتم، يقول سبحانه:

﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ ءَامِنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَـٰبِ ٱلَّذِی نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَـٰبِ ٱلَّذِیۤ أَنزَلَ مِن قَبۡلُۚ وَمَن یَكۡفُرۡ بِٱللَّهِ وَمَلَـٰۤىِٕكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَـٰلَۢا بَعِیدًا﴾ [النساء ١٣٦]

﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱسۡتَجِیبُوا۟ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمۡ لِمَا یُحۡیِیكُمۡۖ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ یَحُولُ بَیۡنَ ٱلۡمَرۡءِ وَقَلۡبِهِۦ وَأَنَّهُۥۤ إِلَیۡهِ تُحۡشَرُونَ﴾ [الأنفال ٢٤]

﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَءَامِنُوا۟ بِرَسُولِهِۦ یُؤۡتِكُمۡ كِفۡلَیۡنِ مِن رَّحۡمَتِهِۦ وَیَجۡعَل لَّكُمۡ نُورࣰا تَمۡشُونَ بِهِۦ وَیَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ﴾ [الحديد ٢٨]

﴿وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦ وَلَمۡ یُفَرِّقُوا۟ بَیۡنَ أَحَدࣲ مِّنۡهُمۡ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ سَوۡفَ یُؤۡتِیهِمۡ أُجُورَهُمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورࣰا رَّحِیمࣰا﴾ [النساء ١٥٢]

﴿وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَءَامَنُوا۟ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدࣲ وَهُوَ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّهِمۡ كَفَّرَ عَنۡهُمۡ سَیِّـَٔاتِهِمۡ وَأَصۡلَحَ بَالَهُمۡ﴾ [محمد ٢]

٢- تقوى "الإيمان" {ثُمَّ ٱتَّقَوا۟ وَّءَامَنُوا۟ }.

وهو الإيمان بالرسول والنبي محمد ورسالة الله التي بلغها للناس كافة، وهي تقوى تقوم على الاستطاعة بتأدية التكاليف، يقول سبحانه:

﴿فِیهِ ءَایَـٰتُۢ بَیِّنَـٰتࣱ مَّقَامُ إِبۡرَ ٰ⁠هِیمَۖ وَمَن دَخَلَهُۥ كَانَ ءَامِنࣰاۗ وَلِلَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلۡبَیۡتِ مَنِ ٱسۡتَطَاعَ إِلَیۡهِ سَبِیلࣰاۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِیٌّ عَنِ ٱلۡعَـٰلَمِینَ﴾ [آل عمران ٩٧]

﴿فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ وَٱسۡمَعُوا۟ وَأَطِیعُوا۟ وَأَنفِقُوا۟ خَیۡرࣰا لِّأَنفُسِكُمۡۗ وَمَن یُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ﴾ [التغابن ١٦].

٣- تقوى"الإحسان" {ثُمَّ ٱتَّقَوا۟ وَّأَحۡسَنُوا۟ۚ وَٱللَّهُ یُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِینَ}.

وتقوى الإحسان تجمع التقوى الأولى "تقوى الإسلام"، والتقوى الثانية "تقوى الإيمان".

ومن هذه الآيات نجد أن الإيمان بدين الإسلام، وتقواه، وعمل الصالحات، يسبق الإيمان بالرسالة الخاتم ورسولها محمد عليه الصلاة والسلام، فتقوى الإسلام سابقة وتأتي أولاً، ثم تأتي تقوى الإيمان بالرسالة ثانياً، وليس العكس.

ولهذا فقه توحيد الله والعمل الصالح، يسبق فقه العبادات، لارتباط العمل الصالح بالإيمان بالله دوما، وقد تكرر ترتيل جذر "صلح" ومشتقاته ١٨٠ مرة، وقوله سبحانه "الذين آمنوا وعملوا الصالحات" حوالي ٥٠ مرة.

يقول سبحانه:

﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَٱلَّذِینَ هَادُوا۟ وَٱلنَّصَـٰرَىٰ وَٱلصَّـٰبِـِٔینَ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ وَعَمِلَ صَـٰلِحࣰا فَلَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَیۡهِمۡ وَلَا هُمۡ یَحۡزَنُونَ﴾ [البقرة ٦٢]

﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَٱلَّذِینَ هَادُوا۟ وَٱلصَّـٰبِـُٔونَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ وَعَمِلَ صَـٰلِحࣰا فَلَا خَوۡفٌ عَلَیۡهِمۡ وَلَا هُمۡ یَحۡزَنُونَ﴾ [المائدة ٦٩]

﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَأَقَامُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُا۟ ٱلزَّكَوٰةَ لَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَیۡهِمۡ وَلَا هُمۡ یَحۡزَنُونَ﴾ [البقرة ٢٧٧]

مما سبق نجد أن دين الله كامل وتام ومتكامل ومتتابع، فلا يمكن أن تؤمن بمحمد ورسالته، قبل أن تؤمن بالإله الذي أرسله، كما نجد كل الآيات التي تتحدث عن الإيمان تربطه بعمل الصالحات، ضمن منظومة من القيم الرحمانية والإنسانية، تحت عنوان الرحمة بقوله تعالى ﴿وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَـٰكَ إِلَّا رَحۡمَةࣰ لِّلۡعَـٰلَمِینَ﴾ [الأنبياء ١٠٧] وتعمل جميعها على تناغم وتكامل" الإسلام وعمل الصالحات والإيمان والتقوى"، ليتحقق سلام الإنسانية والتعايش للشعوب والقبايل، فقد خلق الله الشعوب والقبائل للتعارف، وليس للتقاتل والبغضاء، ويحكم العلاقة بينها التقوى كمعيار للتقييم عند الله، يقول سبحانه ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَـٰكُم مِّن ذَكَرࣲ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَـٰكُمۡ شُعُوبࣰا وَقَبَاۤىِٕلَ لِتَعَارَفُوۤا۟ۚ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِیمٌ خَبِیرࣱ﴾ [الحجرات ١٣]

لقد جعل الله منظومة القيم الرحمانية والإنسانية، أولى صفات المصلين والتي تتطلب المداومة عليها، كونها تترجم عمل الصالحات، لسلوك يحدد العلاقة مع الأخر، وجعل صفة المحافظة على عبادة الصلاة أخر الصفات، لأنها تحدد العلاقة بين المحافظ على إقامة الصلاة وخالقه، والصلاة كمنظومة متكاملة، للصلة بالله، وخلقه وكونه، تنهى عن الفحشاء والمنكر،

إن عمل الصالحات هو الجزء الأكبر المحدد لصفات المصلين، وجعل الله عمل الصالحات، من الصلاة(الصلة) المداوم عليها، والصفة الأولى للمصلين ضمن منظومة صفات المصلين التسعة في سورة المعارج، وجعل الله الصلاة المفروضة والحفاظ عليها، الصفة التاسعة للمصلين، في سورة المعارج في الآيات ( ١٩-٣٥) يقول سبحانه:

{إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعٗا (20) وَإِذَا مَسَّهُ ٱلۡخَيۡرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا ٱلۡمُصَلِّينَ (22) ٱلَّذِينَ هُمۡ عَلَىٰ صَلَاتِهِمۡ دَآئِمُونَ (23) وَٱلَّذِينَ فِيٓ أَمۡوَٰلِهِمۡ حَقّٞ مَّعۡلُومٞ (24) لِّلسَّآئِلِ وَٱلۡمَحۡرُومِ (25)وَٱلَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوۡمِ ٱلدِّينِ (26) وَٱلَّذِينَ هُم مِّنۡ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشۡفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمۡ غَيۡرُ مَأۡمُونٖ (28) وَٱلَّذِينَ هُمۡ لِفُرُوجِهِمۡ حَٰفِظُونَ (29) إِلَّا عَلَىٰٓ أَزۡوَٰجِهِمۡ أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُمۡ فَإِنَّهُمۡ غَيۡرُ مَلُومِينَ (30)فَمَنِ ٱبۡتَغَىٰ وَرَآءَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡعَادُونَ (31) وَٱلَّذِينَ هُمۡ لِأَمَٰنَٰتِهِمۡ وَعَهۡدِهِمۡ رَٰعُونَ (32) وَٱلَّذِينَ هُم بِشَهَٰدَٰتِهِمۡ قَآئِمُونَ (33)وَٱلَّذِينَ هُمۡ عَلَىٰ صَلَاتِهِمۡ يُحَافِظُونَ (34)أُوْلَٰٓئِكَ فِي جَنَّٰتٖ مُّكۡرَمُونَ (35)}

الصفات التسع للمصلين.

١- الذين هم على صلاتهم دائمون، وهي مداومة الصلة "الصلاة" مع الله وخلقه.

{ٱلَّذِينَ هُمۡ عَلَىٰ صَلَاتِهِمۡ دَآئِمُونَ (23) }.

٢- الذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم.

{وَٱلَّذِينَ فِيٓ أَمۡوَٰلِهِمۡ حَقّٞ مَّعۡلُومٞ (24) لِّلسَّآئِلِ وَٱلۡمَحۡرُومِ (25)}.

٣- الذين يصدقون بيوم الدين.

{وَٱلَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوۡمِ ٱلدِّينِ (26) }.

٤- الذين هم مشفقون من عذاب ربهم.

{وَٱلَّذِينَ هُم مِّنۡ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشۡفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمۡ غَيۡرُ مَأۡمُونٖ (28) }.

٥- الذين يحفظون فروجهم.

{وَٱلَّذِينَ هُمۡ لِفُرُوجِهِمۡ حَٰفِظُونَ (29) إِلَّا عَلَىٰٓ أَزۡوَٰجِهِمۡ أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُمۡ فَإِنَّهُمۡ غَيۡرُ مَلُومِينَ (30)فَمَنِ ٱبۡتَغَىٰ وَرَآءَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡعَادُونَ (31) }.

٦- الذين يراعون أماناتهم.

{وَٱلَّذِينَ هُمۡ لِأَمَٰنَٰتِهِمۡ وَعَهۡدِهِمۡ رَٰعُونَ (32) }.

٧- الذين يراعون عهدهم.

{وَٱلَّذِينَ هُمۡ لِأَمَٰنَٰتِهِمۡ وَعَهۡدِهِمۡ رَٰعُونَ (32) }.

٨- الذين يقومون بشهاداتهم.

{وَٱلَّذِينَ هُم بِشَهَٰدَٰتِهِمۡ قَآئِمُونَ (33)}.

٩- الذين هم على صلاتهم يحافظون.

{وَٱلَّذِينَ هُمۡ عَلَىٰ صَلَاتِهِمۡ يُحَافِظُونَ (34)}.

والذي تم إغفاله وعدم التركيز عليه في الفقه المغلوط، هو عمل الصالحات، حيث تم التركيز على العبادات، دون العمل الصالح، فتاهت الأمة عن فهم دينها وممارسة دورها، فاختل جناحا الدين، ولم تعد الأمة قادرة على التحليق، في أفاق ورحاب العبادية والاستخلاف فسكنت وتخلفت، ووقعت في براثن المستعمرين وتآمرهم، وهي ما زالت تدفع ثمن هذا الخلل لليوم، ولا خيار لها غير العودة لكتاب وحي الله، وإسقاطه على واقعها، لتنتج من تفاعله مع واقعها، قوانين التعايش والتعارف، كأمة مؤمنة قادرة ومقتدرة وفاعلة.

جمعتكم وعي بالعودة والنهضة.

د عبده سعيد المغلس

١٢-٤-٢٠٢٣

 

 

 

 

 

 

 

 

الحجر الصحفي في زمن الحوثي