الرئيسية > دنيا فويس > امتيازات لوحيد الوالدين في مصر ضمن حزمة إغراءات لخفض الإنجاب

امتيازات لوحيد الوالدين في مصر ضمن حزمة إغراءات لخفض الإنجاب

" class="main-news-image img

استقبلت المصرية ولاء محمود الإعلان عن مشروع قانون “امتيازات الابن الواحد” المقدم إلى مجلس النواب بعدم اكتراث، لأن العطايا التي ستقدم إلى الأسر التي تنجب طفلا واحدا مشكوك في مصداقيتها، ومن غير المنطقي انتظار مزايا في علم الغيب، لذلك قد لا يجد القانون آذانا صاغية لدى الكثير من المتزوجين حديثا.

 

ويحصل الزوجان عند إنجابهما طفلا واحدا، وفقا لمشروع القانون، على وثيقة تأمين مجانية على الحياة من إحدى شركات التأمين التابعة للدولة لصالح الابن أو الابنة، وتكفل له الحكومة معاشا شهريا يُصرف له في حال وفاة أو عجز أحد الوالدين.

 

ومن حق الابن الحصول على وحدة سكنية من المساكن التي تبنيها الدولة، بالتقسيط على ثلاثين عاما بلا فوائد، ولهذا الابن أو الابنة أولوية الحصول على وظيفة حكومية عند الإعلان عن مسابقات توظيف أو تُخصص لهؤلاء نسبة في التعيينات.

 

ويصل عدد سكان مصر حاليا إلى نحو 105 ملايين نسمة، ويشكل ملف الزيادة المطردة هاجسا للرئيس عبدالفتاح السيسي، لكن لا تزال الحلول الواقعية لضبط النمو السكاني غائبة عن تصورات الحكومة، بينما تتمرد الأسر على كل توجه يجري إقراره كجزء من الحل، لأنه يبدو في نظرهم غير واقعي.

 

 

وإذا جرى تمرير القانون سوف تحصل أسرة الابن الواحد على اشتراك سنوي مخفض بنسبة 75 في المئة في أيّ وسيلة مواصلات عامة، وتحصل أيضا على مقررات تموينية مجانية بقيمة معينة تحددها الحكومة، ويُعالج الابن على نفقة الدولة مدى الحياة.

 

ويتناغم الطرح البرلماني مع توجه الحكومة نحو تقديم المزيد من الإغراءات المالية والعينية للأسر التي تخفض معدلات الإنجاب إلى الحد الأدنى، كجزء من حل الأزمة السكانية التي تتعامل معها الدولة باعتبارها تمثل منغصا لا يقل خطرا عن الإرهاب.

 

وما يثير شكوك البعض من التزام الحكومة بتقديم مزايا لمن ينجبون طفلا واحدا أن الدولة تسارع خطواتها للانسحاب من المؤسسات الخدمية لصالح المستثمرين، وتقلص فاتورة الدعم، ولديها نية لغلق هذا الملف، وتنتظر التوقيت المناسب للتطبيق.

 

بينما يتحدث مشروع القانون عن حصول الابن الواحد على وحدة سكنية بتقسيط مريح، فهذا مطبّق فعليا لأيّ شاب، أما ما يتعلق بتخصيص وظيفة فهذا يتعارض مع الدستور، وعلى مستوى حصول الأسرة على مقررات تموينية مجانية فالدولة تتجه إلى إلغاء التموين واستبداله بدعم نقدي.

 

 

وتستهدف الفكرة في المجمل ملامسة الواقع المعيشي السيء للكثير من الأسر باللعب على وتر أحوالهم الاجتماعية واستقطابهم بإغراءات مالية، لكن الحكومة لا تزال تواجه تحديات كبيرة في ملف الزيادة السكانية، منها ما هو ديني وثقافي، وما يتعلق بنظرة الأسر ذاتها إلى مسألة الإنجاب.

 

ورغم ما تعانيه زينب محمد، التي أنجبت طفلتين فقط، من ظروف معيشية بالغة الصعوبة، إلا أنها تتعرض أيضا لعبارات تحمل سخرية من عائلة زوجها لأنها اكتفت باثنين ولم تنجب ذكرا يرث والده. ومثل هذه الثقافة يصعب القضاء عليها مهما بلغت الإغراءات المالية لإنجاب الطفل الواحد.

 

وقالت لـ “العرب” إن المرأة في مصر بلا أيّ صلاحيات في مسألة الإنجاب، والرجل دائما يبحث عن المزيد من الأبناء، بقطع النظر عن الظروف المعيشية للأسرة، لكن من الصعب أن يتوقف الزوجان عن الإنجاب بعد الطفل الأول لمجرد الحصول على عوائد مالية، وكأنها تجارة في تحديد النسل.

 

وهذه ليست المرة الأولى التي تتم فيها مخاطبة الأسر بأسلوب محفز على خفض الإنجاب، حيث أعلنت الحكومة منذ حوالي عام، أنها سوف تدخر ألف جنيه (20 دولارا) سنويا لكل امرأة متزوجة لديها طفلان فقط وتقوم كل سيدة بتحصيل العائد الإجمالي مع بلوغها الـ45 عاما، ويسقط هذا الحق إذا أنجبت طفلا ثالثا.

 

 

وقتها قوبل الطرح الحكومي بسخرية ولم يتم الحديث عن الفكرة أمام الشعور بأن الأسر ترفض أيّ محاولة لشراء توقفهم عن الإنجاب مهما كانت الإغراءات، لكن يبدو أن البرلمان يحاول إعادة التسويق لنفس الفكرة عبر تمرير قانون الابن الواحد.

 

ولدى كلّ من ولاء حمدي وزينب محمد نفس مبررات رفض مقترح الابن الواحد، فكلتاهما على قناعة بأن تحديد النسل حرام شرعا، ولا مجال للمغامرة بمعصية دينية من أجل إغراءات مالية. وتناست الحكومة والبرلمان في مصر أن جزءا أصيلا من أزمة كثرة الإنجاب يرتبط بارتفاع سقف المعارك الفقهية بين شيوخ السلفية المتشددين، والمؤسسات الدينية حول مشروعية تنظيم الأسرة وتحديد النسل، ما يفسر عدم التزام 50 في المئة من الأسر ببرامج تنظيم الأسرة التي تقدم الحكومة خدماتها بشكل مجاني.

 

ويستهدف مشروع القانون المقبلين على الزواج، وليس من سبق لهم تكوين أسرة، حيث يرغب مجلس النواب في مخاطبة المراهقين والشباب والأزواج الجدد ليكونوا أكثر مرونة في نظرتهم للإنجاب، بعيدا عن ثقافة “العزوة” وكثرة الأبناء.

 

وأكدت عنان حجازي الاستشارية الأسرية في القاهرة أن هناك فجوة شاسعة بين الأسر والحكومة بشأن معدلات الإنجاب، وكل طرف يتعامل من وجهة نظره دون اكتراث بمخاوف الآخر، ولن يتم حل المشكلة بلا توافق بين الطرفين على التشارك في حل الأزمة، بعيدا عن طرح بدائل تبدو غير واقعية.

 

وأوضحت في تصريح لـ”العرب” أن المصريين في مسألة الأبناء لا ينظرون إلى العائد المادي بقدر حبهم لكثرة الإنجاب، كثقافة وتقليد وإرث ديني، ومطلوب تغيير لغة الخطاب الموجه إليهم، ومن المهم إقناع الأسر بالهدف قبل المال، وتبني إستراتيجية تشاركية بين المواطنين والحكومة.

 

وقد يصعب إقناع الأسر التي تعيش في أحياء شعبية ومناطق ريفية وقبلية وتؤمن بأن “الطفل يأتي برزقه” أن تتوقف عن الإنجاب بعد طفل واحد، فهؤلاء لن يغيروا مواقفهم بسهولة، مهما بلغت الوعود، ودُوّنت في قانون ملزم للدولة.

 

يكفي أن الحملات التوعوية التي حثت على إنجاب طفلين فقط لم تؤثر في قناعات الكثير من الأسر، فكيف سيقتنع هؤلاء بطفل واحد، وإذا كان البرلمان يستهدف المقبلين على الزواج عليه ترميم الفجوة بين هذه الفئة والحكومة لأنهم أرباب أسر في المستقبل.

 

وهناك أسر تؤمن بخفض الإنجاب للتأقلم مع أوضاع معيشية سيئة لا طمعا في حوافز الحكومة، لكن التحدي يتعلق بشعور شبه عام عند الأسر بأن أيّ عوائد تقدم لمن يكتفون بعدد قليل من الأبناء سيقابله غلاء وجباية وضرائب، وإذا حصلوا على مكافآت باليد اليمنى ربما يدفعونها باليسرى.


الحجر الصحفي في زمن الحوثي