الرئيسية > دنيا فويس > الابتزاز الزوجي في العراق ظاهرة تحتاج إلى قوانين تردع المبتزين

الابتزاز الزوجي في العراق ظاهرة تحتاج إلى قوانين تردع المبتزين

" class="main-news-image img

ارتفعت حالات الابتزاز الزوجي في العراق وتحولت إلى ظاهرة خطيرة ومخيفة تقلق المجتمع وتحتاج إلى تشريع قوانين خاصة بالابتزاز تردع المبتزين.

 

وكشفت السلطات القضائية العراقية تسجيل نحو 2400 حالة ابتزاز إلكتروني خلال الأشهر الأولى من العام الماضي، في حين سجلت في سنة 2022 وفق إحصائية كشفت عنها مديرية الشرطة المجتمعية بوزارة الداخلية 1950 حالة ابتزاز معظم ضحاياها من النساء.

 

وفي واحدة من حالات الابتزاز أفادت الشرطة المجتمعية، في دائرة العلاقات والإعلام بوزارة الداخلية، بإيقاف ثلاث حالات ابتزاز إلكتروني من بينها زوج يبتز زوجته.

 

وذكر بيان للشرطة أن “مفارز الشرطة تمكنت من إيقاف ثلاث حالات ابتزاز إلكتروني، بعد ورود مناشدات من الضحايا إلى الشرطة المجتمعية عبر خطها الساخن يطالبن فيها بالتدخل لإنقاذهن من المبتزين”. وأضاف البيان أن “المفارز المجتمعية في الأنبار تمكنت من الوصول إلى مبتزي فتاتين في المحافظة واتخذت بحقهما الإجراءات اللازمة، بعد أن كانا هدداهما بنشر صورهما على مواقع التواصل الاجتماعي مقابل الرضوخ لرغباتهما الدنيئة”.

 

وأشار إلى أن “مفارز الشرطة المجتمعية ببغداد تمكنت من الوصول إلى شخص هدد زوجته، لمشاكل أسرية بينهما، بنشر علاقتهما الخاصة وأسرارهما الزوجية، وتمت إحالة قضيتهما إلى مديرية حماية الأسرة والطفل في الوزارة، كما تم منع الزوج من نشر أي محتوى يسيء لسمعة زوجته وحياتهما الأسرية وبخلافه سيعرض نفسه للمساءلة القانونية”.

 

ولم يعد اتجاه بعض الرجال إلى استخدام أدوات غير تقليدية للابتزاز والتشهير انتقاما من السيدات إذا قررن الانفصال أمرا نادرا، في ظل غياب ثقافة الطلاق المتحضر، وشعور البعض بأن طلاق الزوجة يمس بالنخوة والرجولة.

 

 

وإذا كانت وقائع ابتزاز الزوجات بصورهن الخاصة في محاولة لفضحهن أمام الناس ثقافة دخيلة، فقد أصبحت موجودة وترتبط بمحاولات بعض الرجال تركيع المرأة وإجبارها على ترك حقوقها الشرعية إذا أرادت الخلاص من عبء الزوجية دون أن تخرج بفضيحة أسرية مدوية.

 

وتتعامل بعض النساء مع الصور التي يلتقطها الزوج في المنزل أو أثناء العلاقة على أنها توثيق للحظات خاصة وذكريات يصعب تكرارها من دون أن يشككن في إمكانية أن تكون هذه الصور أداة للانتقام في المستقبل، ومحاولة التشهير بهن، لكن تكرار وقائع الابتزاز من خلالها صار أزمة حقيقية للكثير من الزوجات.

 

وتبدأ وقائع ابتزاز الزوجة بصورها الخاصة وشرائط الفيديو المصورة لها داخل غرفة النوم مع شريكها بأن يرسل إليها رسائل تهديد بامتلاكه كنزا يسبب لها الفضيحة، وإذا لم تستجب يتواصل مع أحد أقاربها لإبلاغه بنفس رسالة التهديد، وإذا فشل في تحقيق هدفه يقوم بنشر ما لديه من وثائق في الفضاء العام.

 

وما يلفت الانتباه أن بعض وقائع ابتزاز الزوجات بصورهن الخاصة تواجه بسلبية مجتمعية، وهناك من يحمّل المرأة مسؤولية وضع نفسها في هذا الموقف، لأنها سمحت لشريكها بانتهاك خصوصية جسدها بالتصوير، حتى لو كان ذلك من خلال شريكها، على اعتبار أن الأمان المطلق في أي علاقة لا يجب أن يصل إلى هذا الحد.

 

ويرى متخصصون في العلاقات الأسرية أن أمام الحوادث الشاذة التي ضربت القوام الأسري في بعض المجتمعات، وتحول الطلاق إلى صراع أسري شرس يسعى كل طرف إلى تحقيق الانتصار فيه على الطرف الآخر، لا يجب على الزوجة أن تسلم لشريكها السلاح الذي يبارزها به بالسماح بتصويرها وقت العلاقة الزوجية.

 

ويعتقد هؤلاء أن تكرار وقائع ابتزاز الزوجة بوثائق تمس جسدها رسالة إلى كل امرأة تنصحها بعدم السماح لأي شخص، ولو كان زوجها، بأن ينتهك خصوصيتها ويحتفظ لنفسه بذكريات مرتبطة بالفراش والعلاقة الجنسية بينهما، لأن الحياة الزوجية قد تنهار في أي لحظة أمام خلافات طارئة ويصبح ابتزاز المرأة سهلا.

 

وتسبب تكرار وقائع ابتزاز زوجات بصورهن الخاصة أثناء العلاقة الزوجية في مطالبة الكثير من الحقوقيات بتغليظ العقوبة لتكون رادعة للرجال، مع التشهير القانوني بمثل هؤلاء الأزواج كنوع من رد الاعتبار للمرأة التي تعرضت لفضيحة وأصبحت تواجه عنفا لفظيا ونفسيا بعد التشهير بجسدها.

 

وتقول إحدى الضحايا “طلب مني زوجي مبلغا ماليا، وهددني في حال عدم تنفيذ طلبه بأنه سوف ينفصل عني وينشر مقاطع فيديو حميمية على الإنترنت، وكان المبلغ يفوق قدرتي على توفيره رغم كوني موظفة حكومية، واضطررت إلى الاستدانة والاقتراض خشية أن يقوم بفضحي”.

 

وترتفع ظاهرة الابتزاز الإلكتروني خاصة بين الأزواج صغار العمر، والذين ينحدرون من بيئة ثقافية وأخلاقية متواضعة، وفق الباحثة الاجتماعية زينب جواد، وذلك بسبب “عدم استعداد هذه الزيجات للزواج وتحمّل المسؤولية، لذلك ترغب في التخلص من الزواج بأي طريقة، فضلا عن أسباب أخرى من بينها تأثّر الزوجة بقريناتها، وتدخل الأهل، والبطالة، والمخدرات، وغيرها”.

 

وتوضح جواد، في حديثها لوكالة شفق نيوز، أن “الحل في يد البرلمان، من خلال تشريع قوانين أكثر صرامة تُفصّل الابتزاز وعقوبته بما يناسب حجم الجريمة، لوقف هذه الظاهرة المنتشرة بين أفراد المجتمع بشكل مخيف”.

 

بدوره أوضح الخبير القانوني علي التميمي عقوبة الابتزاز الإلكتروني في القانون العراقي بالقول إن “قانون العقوبات العراقي في المادة 452 منه، يُعاقب بالسجن 7 سنوات على الابتزاز أو إرغام الآخرين على تسليم النقود والأشياء الأخرى عن طريق التهديد، وتكون العقوبة السجن 10 سنوات إذا كان الابتزاز عن طريق القوة أو الإكراه”.

 

وأضاف التميمي “أما إذا كان الابتزاز من موظف أو مُكلّف بخدمة عامة، وقام الموظّف بإعطاء المال بغية تسليمه عن طريق المبتز إلى موظف آخر، هنا يدخل في خانة الرشوة التي تعاقب بالسجن 10 سنوات وفق القرار 160 لسنة 1983 المعدل لمواد الرشوة في قانون العقوبات العراقي، حيث يُعاقب الراشي والمرتشي والوسيط بالعقوبة القانونية ذاتها”.

 

وتابع “أما إثبات واقعة الابتزاز فهي عن طريق اعتراف المتهم الذي سيكون شاهدا على بقية المتهمين أو بالفيديوهات التي تحتاج إلى خبراء للتأكد من صحتها”، مستدركاً “ولا يتصور المتهم أنه عندما يعترف أنه سينجو من المساءلة القانونية بل على العكس، ستفتح عليه عن كل اعتراف قضية مستقلة، لكن ربما هو يفكّر بطريقة شمشون الجبار الذي يقول: عليّ وعلى أعدائي”.

 

أدوات غير تقليدية

كما تواجه بعض الزوجات ابتزاز أزواجهن للحصول على الخلع، ويدفعن مبالغ مالية كبيرة وقد يتنازلن عن حقوقهن. والخلع هو الطلاق بفدية من الزوجة الكارهة لزوجها، وهو شائع في العراق ويحصل بموافقة الزوجين، لكن بات يمثل ظاهرة ابتزاز.

 

وتفيد دراسة أعدتها منظمة “حواء للإغاثة والتنمية”، التي تعنى بشؤون المجتمع المدني في العراق، بأن نسبة 73 في المئة من النساء الـ150 اللواتي شاركن في الدراسة لم يملكن أي معلومات عن قانون الخلع وأنهن يرغبن في اكتسابها. وتهدف الدراسة إلى توعية النساء اللواتي لا يعرفن قانون الخلع وتفاصيله، وأظهرت أن نسبة 58 في المئة منهن يرغبن في معرفة قانون الخلع خاصة أولئك اللواتي قدمن دعاوى، ولا يملكن مبالغ مالية تسمح بإقناع الأزواج بالانفصال بعدما فشلت كل محاولاتهن لطلب الطلاق أمام المحكمة.

 

وكشفت الدراسة أيضاً أن نسبة 52 في المئة من المشاركات قلن إن “معاناتهن مستمرة مع العنف بسبب رد دعاوى طلب الخلع، وعدم الحصول على انفصال”، ما دفع المنظمة إلى المطالبة بتعديل المادة 46 من قانون الأحوال الشخصية رقم 188 الصادر عام 1959 والذي يسمح للمرأة الكارهة حياتها الزوجية بطلب الخلع أمام القضاء من دون موافقة من الزوج أو حصول اتفاق تراضٍ بينهما، مع التنازل أيضاً عن مهرها المعجل ونفقاتها كما يحصل في القانونين المصري والأردني.

 

وكان موقع مجلس القضاء العراقي الأعلى أعلن تسجيل أكثر من 68 ألف طلاق حتى نهاية نوفمبر من العام الماضي، أي أكثر من 200 طلاق يومياً، 206، وأكثر من 8 حالات طلاق في الساعة الواحدة.

 

وقالت عبير سليمان، الباحثة المتخصصة في قضايا المرأة، “إن وقوف الزوجة ضد كل محاولات ابتزازها للتنازل عن حقوقها لمنع التشهير بها مرتبط بجرأتها وصلابتها في مواجهة شريكها السابق، فلا يجب أن تستجيب وترضخ للضغوط بدعوى الحفاظ على سمعتها، بل عليها أن تواجه بشراسة لنيل حقها بالقانون”.

 

أزمة حقيقية

وأضافت أن المتاجرة باللحظات الخاصة وقت العلاقة الزوجية جريمة تجب مواجهتها بفرض عقوبات شديدة الصرامة لأنها تهدد الأمن الأسري، ولا يجب أن ينتظر صانع القرار في أي مجتمع تحولها إلى ظاهرة أو نمط للانتقام، ومن الضروري التدخل بكل وسائل الردع للقضاء عليها في مهدها.

 

وترى أصوات رافضة لمبدأ تصوير الوقائع الخاصة بين الزوجين، ولو لغرض الذكرى، أن هناك مواقف حياتية يفترض أن تكون محاطة بالخصوصية الشديدة، وتوثيقها بأي طريقة ولأي سبب يرفع عنها السرية ويجعلها أداة للابتزاز والتشهير، وتتحمل المرأة جزءا كبيرا من المسؤولية لكونها شاركت بالقبول.

 

وأمام تكرار حالات الابتزاز أصبح لزاما على أيّ امرأة أن تضع حدودا للعلاقة الزوجية مهما بلغ منسوب الثقة بالشريك، طالما أن هناك وقائع عكست إلى أي درجة يقود الوثوق الكامل وغير المحدود بالزوج إلى أزمات معقدة تدفع ثمنها الزوجة وحدها، إذا تمردت على الرجل وكانت قد منحته بنفسها أوراق الضغط عليها.

 

ومهما كانت الزوجة جريئة وقوية في مواجهة التشهير بها، فقد تظل متهمة في أخلاقها إذا لم تستطع إثبات التهمة على شريكها، وإذا لجأت إلى القضاء للثأر لشرفها بقوة القانون، فالرجل يمكن أن يلجأ إلى إنكار التهمة ويدّعي اختراق الهاتف المحمول وسرقة الصور ومقاطع الفيديو ليحدث التشهير دون عقوبة.

 

ويمكن لدائرة الابتزاز أن تتسع إذا شعر بعض الأزواج بأن الذكريات سيف مسلط على رقاب المطلقات للتنازل عن الحقوق أو الإذلال والحرمان من الارتباط بآخر، والعبرة أن تكون المرأة جريئة في رفض التصوير وعليها المواجهة وعدم الصمت، في حال حدث التشهير.

 

ويقول الأستاذ الجامعي نبراس سالم إن “الابتزاز بشكله العام سواء كان إلكترونيا أو تقليديا، يهدف إلى الحصول على مكاسب مادية أو معنوية أو معلومات أو أي شيء آخر، سواء كان الموضوع متعلقا بشخصين أو بين شخص وشركة أو بين زوجين، وغير ذلك”.

 

ويضيف سالم أن “جرائم الابتزاز بين الزوجين كثُرت مؤخرا نتيجة وجود مشاكل عائلية قد تصل إلى الطلاق أو التفريق القضائي، لذلك يستخدم أحد الزوجين هذه الطريقة لابتزاز الآخر من أجل الحصول على مكسب معين”.


الحجر الصحفي في زمن الحوثي