الرئيسية > دنيا فويس > تغير النمط الاستهلاكي للأسرة اختبار لمتانة العلاقة الزوجية

تغير النمط الاستهلاكي للأسرة اختبار لمتانة العلاقة الزوجية

" class="main-news-image img

أكدت دار الإفتاء المصرية تلقيها تساؤلات من بعض الزوجات يطلبن الرأي الشرعي لطلاق الزوجة إذا وصل الحال بشريكها ليكون عاجزا عن الوفاء بالتزاماته تجاه الأسرة بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة، ما عكس وجود شريحة من النساء لم يعدن قادرات على تحمل هذه الوضعية وأصبحن يفكرن في الانفصال.

 

لم تعط دار الإفتاء ردا قاطعا على التساؤلات وقالت إن هناك اختلافا في الرؤى الفقهية حول طلب المرأة الطلاق بسبب الظروف المعيشية، ونصحت الزوجات بتحمل ظروف الرجال والوقوف بجانبهم في هذا الوقت من أجل استمرار العلاقة الزوجية ولو بالحد الأدنى من المتطلبات، وتجنب هدم كيان الأسرة لمجرد ضيق الحال.

 

أربكت الأزمة الاقتصادية في مصر حسابات الكثير من الأسر، وصارت هناك أنماط استهلاكية إجبارية للمعيشة والتكيف مع الغلاء تعتمد على التخلي عن بعض الضروريات والتركيز على السلع والخدمات ذات الأولوية القصوى لتجاوز الضغوط بأقل الخسائر مع شح الموارد وعدم قدرة الحكومة على إيجاد حلول سريعة.

 

أصبح تغير النمط الاستهلاكي للأسرة بسبب الغلاء اختبارا قاسيا لمتانة العلاقة بين الزوجين، إما أن يقررا معا مواجهة الظروف وإيجاد حلول لتدبير الموارد وإدارة الإنفاق بحنكة، وإما الإخفاق في استكمال الزواج على وقع رفض أحدهما أو كلاهما التضحية لأجل الأسرة، ما قد يصل بها إلى مرحلة حرجة من الشقاق.

 

ثمة مشكلة أكثر تعقيدا تتمثل في أن الأزمة الاقتصادية تتسبب في فتور العلاقة الأسرية، فتغيب المشاعر

 

يصعب على المرأة التي اعتادت على نمط استهلاكي معين وظروف معيشية محاطة بالرفاهية أن تتقبل تراجع مصادر الدخل، إلا إذا كانت تتمتع بالأصالة كونها تتنازل عن مطامعها الذاتية للاستمرار مع الشريك مهما كانت الظروف المعيشية سيئة.

 

ورغم أن التغيرات الطارئة في حياة الأسرة تتسبب في ارتباك نفسي، لكن تماسك العلاقة بين الزوجين يظهر وقت الأزمات، فإما أن يتحدا ويقررا التأقلم مع الوضع بتدبير الموارد وحسن تصريف الأمور، وإما يقرر أحدهما الانسحاب من حياة الآخر بحثا عن مسار جديد يضمن له السلام النفسي بعيدا عن الضغوط المعيشية.

 

كانت أسرة محمد منصور، المكونة من أربعة أبناء، من ضحايا الأزمة الاقتصادية بعدما انقلبت أحوالها رأسا على عقب، فالأب اضطر إلى العمل في وظيفتين، إداريا في جهة حكومية صباحا وبائعا في متجر مساء، لكن متحصلاته المالية بنهاية الشهر لا تكفي شراء الحد المتوسط من المستلزمات.

 

قبل تعقد الأزمة الاقتصادية ووصول الغلاء إلى مستويات مرتفعة كانت أسرة منصور تعيش حياة سعيدة، لكنه بات عاجزا عن الوفاء بنفس الالتزامات التي كان يداوم عليها في الماضي، وما جعله أكثر هدوءا في مواجهة العاصفة أن زوجته لا تتذمر من تلك الوضعية السيئة وتداوم على مساندته معنويا وتدبير أمورها بالحد الأدنى.

 

قال الزوج لـ”العرب” إن المرأة المدبرة وقت الظروف المعيشية الصعبة أهم من العاطفية في حياة الرجل، لأنها تمنحه الراحة التي تحفزه على أن يكون هادئا في مواجهة الأزمات، وتمده بالاحتواء والطمأنينة بأنهما يعيشان معا في مركب واحد، ولن تتذمر أو ترفض البقاء معه ولو تبقى لها الفتات، هذا في حد ذاته قوة للرجل.

 

يدرس أبناء منصور في مراحل تعليمية مختلفة بينما يصل إنفاق الأسرة المصرية على التعليم إلى قرابة نصف إيراداها الشهري، وكل عائلة تركز في إنهاك نفسها ماديا لتجاوز المرحلة، وتشتري الأغلبية السكانية أرخص وأقل السلع الغذائية، ومن الطبيعي أن تختفي سبل الرفاهية، ما تسبب في تغير مسار حياة نسبة كبيرة من الأسر.

 

ثمة مشكلة أكثر تعقيدا ترتبط بأن الأزمة الاقتصادية تسببت في فتور العلاقة الأسرية، فغابت المشاعر وحل مكانها المزاج السلبي بعدما تمحورت الأحاديث حول طرق التدبير وعبور الأزمة والبحث عن حل للمشكلات، وما يجعل الرجل صامدا في وجه الأزمة أن تكون شريكته وفيّة وصابرة وتتحمل الصعوبات دون تذمر من ضيق الحال.

 

يرى متخصصون في العلاقات الأسرية أن تدهور الأحوال الاقتصادية للأسرة أمر وارد في أي مجتمع مهما كانت قدرة الدولة على توفير الحماية الاجتماعية لأفرادها، لكن المهم التفاهم بين الزوجين لتجاوز الصدمة، ومن الصعب أن تحافظ الأسرة على تماسكها وقت الأزمات وتتجنب صدامات قد تقود إلى انهيار العلاقة الزوجية.

 

أوضح الأب منصور أن أي رب أسرة يمكن أن يعبر الضغوط المالية والنفسية والمشكلات التي تعصف بالأسرة شريطة أن تكون الزوجة راضية وتتقاسم الهموم، “أصبحت أكثر ارتياحا، ولست محملا بضغوط تتعلق بإمكانية تحمل زوجتي الظروف أم لا، لأنها تلتمس الأعذار وتعبر عن امتنانها لتوفير بعض متطلبات المنزل”.

 

ترفض نسبة كبيرة في أي مجتمع عربي تمرد الزوجة على ظروف شريكها، خاصة إذا كانت خارجة عن إرادته، ويصعب على المجتمع الشرقي تقبل طلب المرأة للطلاق بسبب ظروف مادية، فهناك فارق بين وصول الرجل إلى مرحلة العجز عن الإنفاق لظرف عام، وبين امتناعه عن تدبير الاحتياجات كنوع من عناد الزوجة.

 

 

 

أشارت عنان حجازي، خبيرة الاستشارات الزوجية والعلاقات الاجتماعية بالقاهرة، إلى صعوبة تمرد الزوجة التي نشأت في بيئة صحية على شريكها لمجرد تعرضه لأزمة مالية، ومن تفعل ذلك فإن أسرتها تتحمل تغذية هذا السلوك المرفوض إنسانيا، والتحديات التي تمر بها الأسرة اختبار لحسن التربية والتضحية وقياس الأنانية.

 

وأضافت لـ”العرب” أن تغيير النمط الاستهلاكي للأسرة وقت الأزمات إجراء جيد وتصرف سليم يعبر عن حسن إدارة للمشكلة بعيدا عن الاستدانة لاستمرار الرفاهيات، وليس عيبا أن تحدث عثرات مادية للزوجين فالمهم أن يكون هناك تلاحم بين الطرفين وتحمل المسؤولية بشكل تشاركي، أما الانسحاب من العلاقة بسبب أزمة طارئة فهو سلوك سيء يعبر عن أنانية مفرطة.

 

ولفتت إلى أن المزاج السلبي عند أحد طرفي العلاقة الزوجية نتاج طبيعي، لكن الخطر في سلبية أحد الشريكين وترك الآخر يتحمل المسؤولية بمفرده، وهذا يؤدي إلى تصدع العلاقة في المستقبل، فالدعم المعنوي وحده يكفي لتجاوز أي أزمة، وهذا دور المرأة بأن لا تترك الزوج يشعر بأنه يجاهد وحيدا لاستقرار الأسرة، والعكس صحيح، وتضحية الطرفين أساسي لعبور أي مشكلة.

 

تظل المشكلة الأخطر وقت الأزمات الاقتصادية المفاجئة للأسرة هي طريقة إدارة العلاقة بين الآباء والأبناء، والعبرة في تجاوز هذا التحدي ترتبط بأن تكون هناك مشاركة جماعية في تحمل المسؤولية والحفاظ على كيان الأسرة، ومنع تسلل سلوكيات سلبية خطيرة تسرع من وتيرة الفتور والتمرد والعصيان من الأبناء تجاه الآباء، وهي ثقافة تربوية تغيب عن العديد من الأسر.

 

ولا مانع من إشراك الأبناء في معرفة حقيقة الوضع المالي للأسرة لتعويدهم على تحمل المسؤولية في المستقبل وإحساسهم بأنهم جزء من كيان العائلة بما يقوي علاقاتهم بها، وتكون لديهم ثقافة مالية بدلا من الركون للاتكالية، وأن يكون ذلك مبنيا على الهدوء وعدم المبالغة في وصف الوضع المادي للأسرة، بما لا يفقدهم الأمان.


الحجر الصحفي في زمن الحوثي