الرئيسية > نوافذ ثقافية > كيف تخطت شراسة إسرائيل على غزة كل الحروب السابقة؟ (تابع)

كيف تخطت شراسة إسرائيل على غزة كل الحروب السابقة؟ (تابع)

" class="main-news-image img

 

أدت الغارات الجوية الإسرائيلية التي ضربت مخيم جباليا للاجئين في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2023، إلى مسح المباني وانهيارها على قاطنيها. وقال أطباء إن أكثر من 110 أشخاص استشهدوا، كثير منهم نساء وأطفال سُحِقوا تحت الأنقاض. بينما برر الجيش الإسرائيلي هذه الجريمة قائلاً إن "العملية حققت هدفها"!.

ومنذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، استشهد ما يقرب من 11 ألف فلسطيني، وفقاً لوزارة الصحة في غزة، بينما يفتك الجيش الإسرائيلي بالمدنيين لدفع حركة حماس للاستسلام. ورغم أن المسؤولين الإسرائيليين يزعمون أن كل ضربة تخضع لـ"موافقة قانونية"، يقول الخبراء إن قواعد الاشتباك الإسرائيلية، التي هي سرية، تتضمن عتبةً أعلى للخسائر في صفوف المدنيين مقارنة بجولات القتال السابقة، كما يقول تقرير لصحيفة Washington Post الأمريكية.

 

الجيش الإسرائيلي أبادت عائلات بأكملها ويزعم أن هذا مبرر

تقول بنينا شارفيت باروخ، المستشارة القانونية السابقة للجيش الإسرائيلي: "في الأساس، تحقق قوانين النزاع المسلح توازناً بين الميزة العسكرية للهجوم والضرر المتوقع على المدنيين". وأضافت: "كلما زادت الميزة العسكرية التي تأتي من العمل العسكري، كان الضرر الأكبر الذي يلحق بالمدنيين يعتبر متناسباً"، واصفة المنطق الإسرائيلي في النزاع العسكري، قائلةً إن أي ضرر يلحق بالمدنيين هو عرضي وليس مقصوداً على حد زعمها.

ولكن الواقع أن عائلات بأكملها قُتِلَت، ويُدفَن الأطفال مع والديهم في مقابر جماعية، وتستهدف الغارات بشكل مباشر المستشفيات وخزانات المياه والمخابز والمدارس وسيارات الإسعاف. وقد أشارت جماعات حقوق الإنسان إلى عدد متزايد من الضربات باعتبارها جرائم حرب، وحثت على إجراء تحقيق دولي ومحاسبة إسرائيل.

وفي تعليقات أدلى بها المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، قال إن كل صانع قرار عسكري في الصراع يجب أن يكون "على علم واضح بأنه سيُطلب منه تبرير كل ضربة ضد كل هدف مدني".

ويطالب القانون الدولي الجيوش بالتمييز بوضوح بين المدنيين والمسلحين، واتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لمنع إلحاق الأذى بالمدنيين. ويحظر مبدأ التناسب على الجيوش إيقاع خسائر في صفوف المدنيين تكون "مفرطة" مقارنة بالميزة العسكرية المباشرة المتوقعة وقت الضربة.

إنه معيار غير دقيق ويتطلب إجراء تحقيق كامل، وهي مهمة صعبة في منطقة حرب نشطة. والأهم تُحاط الطريقة التي تختار بها إسرائيل أهدافها بالسرية، مما يجعل من الصعب للغاية على الخبراء الحكم على مدى شرعيتها. ويقول المسؤولون الأمريكيون إنهم لا يعرفون بالضبط كيف يقيِّم قادة الجيش الإسرائيلي عتبة الخسائر في صفوف المدنيين -حتى عندما يحثون إسرائيل علناً على تقليل الوفيات بين الأبرياء.

وقال مسؤول كبير في وزارة الخارجية لصحيفة Washington Post الأمريكية، تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته لمناقشة المحادثات الحساسة، إن الإسرائيليين خفضوا بشكل كبير عدد الغارات الجوية في الأيام الأخيرة، وهي علامة محتملة على أن الرسالة الأمريكية قد وصلت. وأضاف المسؤول لكن الضربات لا تزال تتسبب في خسائر فادحة.

وفي الهجوم على مخيم جباليا، الذي دمر مبنى سكنياً بأكمله، أشار الجيش الإسرائيلي إلى أن الهجوم خُطِّطَ له بعناية لاستهداف شخصية بارزة في حماس في الأنفاق الموجودة أسفل مخيم اللاجئين أدت المجزرة إلى استشهاد وجرح نحو 400 فلسطيني، من أجل استهداف شخص واحد، بينما نفت حماس استشهاد هذا القائد.

ويقول الخبراء إنه عند حساب المخاطر التي يتعرض لها المدنيون، كان من الممكن للمخططين العسكريين أن يقدروا بشكل معقول أن عدد الضحايا سيكون بالمئات.

الاحتلال أسقط في أسبوع واحد قنابل على غزة تعادل عاماً مما تعرضت له أفغانستان وقال مارك لاتيمر، المدير التنفيذي لمركز وقف إطلاق النار للحقوق المدنية: "تُظهِر ضربة جباليا، لأنها كانت هجوماً مخططاً له، أن إسرائيل تتسبب في خسائر في صفوف المدنيين بأعداد أكبر من تلك التي اعتمدتها القوات الجوية الأمريكية في الحرب ضد داعش على سبيل المثال".

وفي 14 أكتوبر/تشرين الأول، أي بعد أسبوع واحد فقط من بدء الحرب، قالت القوات الجوية الإسرائيلية إنها أسقطت 6 آلاف قنبلة على أهداف تابعة لحماس في غزة. وعلى النقيض، أُسقِطَ ما يزيد عن 7 آلاف قنبلة على أفغانستان من قِبَلِ التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة خلال عام 2019 بأكمله، وهو العام الأعنف من القصف الجوي هناك.

وقال مسؤول آخر في الإدارة الأمريكية، تحدث إلى Washington Post أيضاً شريطة عدم الكشف عن هويته، إن الحسابات الإسرائيلية حول المستويات المقبولة للخسائر في صفوف المدنيين كانت مختلفة بشكل واضح عن حسابات الولايات المتحدة، لكنه أصر على أن هناك عملية قوية مطبقة لتقييم كل ضربة، حسب زعمه.

وقال: "إن المحاورين المحترفين في مسألة تجنب الاشتباك وإدارة الحملات أجروا هذه المناقشات مع نظرائهم الإسرائيليين".

ولكن حجم الخسائر لا يؤشر فقط إلى أن إسرائيل لا تهتم بسقوط ضحايا مدنيين، بل ما تتجاهله التقارير الغربية منها تقرير Washington Post هذا أن إسرائيل على ما يبدو تتعمد إيقاع أكبر قدر من الخسائر في أوساط المدنيين بغزة كنوع من الانتقام ولتشفي غليل مواطنيها من عملية طوفان الأقصى.

أمريكا تتحمل المسؤولية القانونية عن هذه الغارات لأنها تقدم دعماً عسكرياً واستخباراتياً

وتقوم الولايات المتحدة بتزويد الجيش الإسرائيلي بالدعم العسكري والاستخباراتي، وبالتالي فهي ملزمة بموجب اتفاقيات جنيف بضمان عدم انتهاك الغارات الجوية في غزة للقانون الدولي.

وبدا يوم الأحد أن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، دانيال هاغاري، يتوعد بإمكانية استهداف المستشفيات الكبرى، مستشهداً باستخدامها المزعوم من قبل المسلحين لإطلاق النار على القوات الإسرائيلية. ووصف المرافق الطبية بأنها "جزء أساسي من آلة الحرب لحماس"، وحثَّ على إخلائها.

وشددت منظمات الإغاثة الطبية والأطباء داخل المستشفيات مراراً على عدم قدرتهم على الامتثال. وتكتظ المرافق بمئات الأشخاص، بعضهم على أجهزة دعم الحياة، فضلاً عن الأطفال حديثي الولادة في الحاضنات. وينام آلاف السكان النازحين أيضاً في أراضي المستشفيات، معتقدين أنهم أكثر أماناً مما في الأحياء المدمرة التي فروا منها.

وقد صاغ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الحرب ضد حركة حماس من منظور وجودي، وقال إن الحركة وبنيتها التحتية -المنتشرة بغزة التي يزيد عدد سكانها عن مليوني مدني- يمكن تدميرها وهو يعتزم ذلك.

وكشف هاغاري يوم الأحد عدد التحذيرات التي وجهتها القوات الإسرائيلية للمدنيين الفلسطينيين لإخلاء المناطق الواقعة تحت القصف: أُسقِطَ مليون و524 ألف منشور من الطائرات، وأُرسلت حوالي 6 ملايين رسالة إلى الهواتف المحمولة، علاوة على إجراء 20 ألف مكالمة هاتفية.

لكن غزة هي واحدة من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم. ومع إغلاق المخارج أمام الجميع باستثناء المواطنين الأجانب وعدد قليل من الجرحى الفلسطينيين، وأيضاً مع سقوط القنابل عبر القطاع، لا يوجد مكان يمكن أن يهرب إليه المدنيون.

المرحلة القادمة قد تشهد زيادة في أعداد الضحايا المدنيين

ومع استنفاد القائمة الإسرائيلية لمواقع الضربات التي فُحِصَت مسبقاً، فإن تركيز حملتها الجوية يتحول إلى ما يسمى بالاستهداف الديناميكي، حيث تُتَّخذ القرارات بسرعة نسبياً -وهو النهج الذي أدى إلى ارتفاع عدد الضحايا المدنيين في حروب جوية أخرى، بما في ذلك حروب التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد داعش في العراق وسوريا.

وقال مارك غارلاسكو، محلل استخبارات الدفاع السابق، إن هذا التغيير ستكون له "تداعيات صارخة على الضرر الذي يلحق بالمدنيين". وأضاف: "عندما تتحول إلى الاستهداف الديناميكي، فإنك تقوم بتقييم الأضرار الجانبية بشكل أسرع بكثير ولا تتمكن من اتخاذ العديد من الاحتياطات".

ويقول خبراء إن إسرائيل قد تكون أكثر عمىً مما كانت عليه في الفترات السابقة، حيث يلجأ مئات الآلاف من المدنيين إلى مواقع جديدة، ويتنقلون أحياناً عدة مرات في الأسبوع بحثاً عن الأمان.

وهناك أيضاً تساؤلات حول قوة المعلومات الاستخبارية المستخدمة لاختيار أهداف داخل غزة، بعد أقل من شهر من قيام آلاف من نشطاء حماس بشن هجوم مفاجئ مدمر على إسرائيل، دون أن تكتشفه أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية.

وفي ظل الاضطرابات التي تجتاح الضفة الغربية المحتلة وتطاير الصواريخ على طول حدودها مع لبنان، فإن أصول المراقبة الإسرائيلية قد تكون أيضاً مستهلكة.

ومع استمرار ارتفاع عدد الضحايا يوم الأحد، يمكن رؤية آثار حملة القصف على الفلسطينيين في الصور الفوتوغرافية التي لا يمكن نشرها، والتي شاركها عبر الإنترنت غسان أبو ستة، جراح التجميل الذي يعمل في أكبر مستشفى في المنطقة.


الحجر الصحفي في زمن الحوثي