رحلتان من المتعة مع سفير الإنسانية معالي وزير الخارجية شائع محسن الزنداني 2 - 2

علي هيثم الميسري
الثلاثاء ، ١٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٨:٢٦ مساءً

     أخذناكم في ليلة مباركة من ليالي رمضان برحلة مع سفير الإنسانية صاحب المعالي الدكتور شائع محسن الزنداني وزير خارجية الجمهورية اليمنية ، وها نحن اليوم نأخذكم برحلة أكثر متعة معه في أواخر أيام عيد الفطر المبارك ، وكما قلت سابقاً أكرر وأقول لكم متواضعاً بأنني كما أحب أنتقد فكذلك في قاموسي أحب أمدح وأثني عن المسؤول الذي يستحق المديح والثناء ، المسؤول الذي يرى منصبه أو المسؤولية التي تلقى على عاتقه بأنها تكليف وليس تشريف أو تسلق على مشاكل المواطنين كما هو حال الكثير من مسؤولينا في السلطة والحكومة ، وأكرر لو كان كل المسؤولين يمتلكون ولو الجزء اليسير من ما يمتلكه هذا المسؤول الإنسان الدكتور شائع الزنداني لصلحت البلاد وإرتاح العباد .

    قبل أن أبدأ في سرد حكايا المواقف التي عايشتها مع الدكتور شائع حينما كان سفيرنا في الرياض ساذكر لكم كيف حول السفارة اليمنية من شبه سوق أو مول يتم فيه البيع والشراء والصراخ والضجيج إلى صرح شامخ ومؤسسة حكومية محترمة تراعي فيه حقوق ومصالح المواطن اليمني ، فقد ذكرت لي أخت في الرياض وأكاديمية محترمة حائزة على شهادة الدكتوراه وهي مسؤولة في الحكومة اليمنية ، قالت لي أخي علي الميسري هل تعلم بأنني عندما كنت أدخل سابقاً إلى السفارة اليمنية في الرياض كنت أشعر بأنني أمام دكاكين أرى فيها كل المراجعين جاءوا ليبتاعوا أغراضهم ولوازمهم ، وأضافت قائلة وفي حقيقة الأمر بعد مجيء الدكتور شائع الزنداني أصبحت أدخل السفارة وكأنني في سفارة أجنبية تحترم النظام وتحافظ على مظاهر الأدب والرقي وفي تيسير معاملات المراجعين ومشاكلهم وإحتياجاتهم ، ونتمنى من السفير الخلف أن يحافظ على إنجازات السفير السلف ولا يعيد السفارة إلى ما كانت عليه وكأنها سوق تجاري .

     فيما يخص الحكايات المؤلمة التي قام عليها وحلها  وعايشتها مع سعادته فهي تبدأ بقصة أسرة يمنية من شمال اليمن وهي أم هربت ببناتها وأولادها القـُصـَّر إلى الوديعة المنفذ الحدودي ، وبدأت حينما كان زوجها مديون لمشرف حوثي وعجز عن سداد الدين فأستغله ذلك المشرف وطلب منه تزويجه إبنته القاصر وعمرها حينها كان حوالي 10 سنوات ، طبعاً وافق الأب ولم تجد الأم بـُدَّاً إلا الهروب بأطفالها إلى المنفذ ومكثت هناك مع النازحين ، فعندما وصلتني مأساة هذه الأسرة عبر أحد الأصدقاء أخذتني الحمية وتواصلت مع الأم بعد بحث مضني عن وسيلة إتصال ، وكان لأحد الإخوة من السودان الشقيق سائق قاطرة الذي تبنى قضيتهم وبالفعل تأكدت من صحة الحالة بعد أن طلبت منه تصوير جميع أفراد الأسرة .

     بدأت أول خطوة بالتواصل مع المسؤولين المعروفين وعرض حالة مأساة الأسرة حتى أنني حاولت إقناعهم أن يستغلوها إعلامياً ضد الحوثة ولكن دون جدوى فلم يـَكـُن هناك حياة لمن كنت أنادي ، فأصابني اليأس والشعور بالحرج من ربة الأسرة كـُثر ما كانت تتواصل معي وتتوسل إلـَي ، فلم يكـُن مني إلا أن أصـَبِّرها ولم أقطع لها أملاً فقد كانت ترى فيني طوق النجاة وهي تصارع الغرق في بحر الظالمين وظلمات الحياة ، وعندما وصلت حالة الأسرة المأساوية لمن كانت به حياة ويمتلك من الإنسانية وروح المساعدة وكل ذلك كان في وجدان الدكتور شائع فإنبرى مسرعاً وقال أنا لها .. فكيف حصل ذلك لا سيما وأنني لم أكـُن أعرف حينها سفير الإنسانية الدكتور شائع ؟ ، إنها مشيئة أقدار الله التي تـَكمـُن ببن حرفـَي الكاف والنون فإذا أراد شيئاً يقول له كـُن فيكون .

     في يوم من أيام الله كان في بيتي ضيوف من العيار الثقيل وكان من ضمنهم صديق عزيز وهو الدكتور سمير شيباني نائب وزير حقوق الإنسان ، في تلك الأيام كان يحذونا الأمل بأن أقرب غداً سيـُقضى على الإنقلاب وتعود الشرعية وكنا نخوض في ذلك الموضوع وكان حينها يتحدث الدكتور سمير وفجأة وجدت ضالتي وذكرت مأساة الأسرة بعد أن ألهمني الله ، فقاطعته بلهجة الفرج قائلاً يا دكتور لدي حالة إنسانية وأظنها في صلب عملكم وأسهبت له الحديث عن مأساة الأسرة ، فقال لي نعم إنها في صلب عملنا وإن شاء الله الأمور محلولة وستبدأ من سفارتنا في الرياض وإن شاء الله غداً سأذهب إلى سعادة السفير وأعرض عليه الموضوع وأخذ مني وسيلة التواصل مع الأم المنكوبة ، وبالفعل بعدها علمت بأن سعادة السفير حينها شائع محسن أوفد مندوبـَين من السفارة إلى المنفذ الحدودي أولاً سلما لربة الأسرة مبلغ مجزي يسد به إحتياجات الأسرة وتم تصويرهم لتصدر لهم السفارة تصاريح دخول للسعودية وهذا ماتم بالفعل وإنفرجت أساريري .

     في القصة الثانية والتي من خلالها تعرفت على سعادة السفير حينها الدكتور شائع عندما أتصل بي أحد الأصدقاء بعرض حالة إبتزاز لفتاة في عدن على وشك الإنتحار ، والسبب أن هناك يمني من الجنوب تعود أصوله من نفس أصول الفتاة تعرف عليها أثناء إجازته في عدن ومن ثم عاد إلى الرياض وأرسل لها هاتف محمول وزرع فيه شريحة ذكية ، هذه الشريحة مربوطة ببرنامج في جهازه اللاب توب فقد كان دارس هذا النظام وتمـَكـَّن فيه وأبدع ولكنه يبدو بقلة الخير لإنه تمكن من إستجلاب كل معلومات مراسلات وخزايا الفتاة وهددها بأنه سيرسلها على كل وسائل التواصل إن لم توافق أن تمكنه من نفسها عندما ينزل إلى عدن ، فقلت لصاحبي هذا الأمر من شؤون السفارة اليمنية فقال لي أنا أعرف السفير فقلت له وهل لديك وسيلة إتصال للمبتز قال نعم ، فأخبرته بالتواصل معاه وإيهامه بأن لدى السفارة مهرجان وتطلب شخص متمكن في رسم برنامج المهرجان  وبالفعل تم الأمر ونجحت الخطة ، وفي اليوم التالي ذهبت للسفارة وقابلت السفير وعرضنا عليه الموضوع وإمتعض كثيراً لهذا الأمر وكـَلـَّف الشخص المناسب الذي كان في المنصب المناسب وهو الشاب الخلوق الذي رأيته من أكفأ موظفي السفارة والذي لا يتوانى عن خدمة أي مراجع ويذلل له كل صعب وهو صالح شعيراء ملحق شؤون المغتربين ، وبالفعل جاء الشاب المبتز وأجبرناه بأن يجلب جهازه وإستخراج كل مالديه عن الفتاة التي كانت أمها تتوسل بأن نساعد بنتها التي كانت ستنتحر إن عـَلـِمَ أبوها بما حصل .

     القصة الثالثة كانت لفتاة من جنوب اليمن ومأساتها كانت دخولها سجن النساء إن لم توفر ورقة إثبات طلبتها منها المحكمة الجزائية بالرياض من السفارة اليمنية ، وكانت الفتاة طليقة إبن عمها ولديها منه بنت وكان هو خصمها في هذه القضية وكان يسعى جاهداً لسجنها ، وعندما وصلتني الحالة من قـِبـَل زوجها الأصيل الذي تزوجها مؤخراً بعد طلاقها وإحتضن إبنتها وهو من شمال اليمن ، بعدما دَلوه عليَّ أهل الخير ذهبت في اليوم التالي للسفارة وقلت له يحضر معه زوجته ، في بداية الأمر ذهبت لثلاثة موظفين معنيين بحل هذه المعضلة ولكنهم للأسف الشديد إمتنعوا بإصرار ، حاولت إستعطافهم مراراً بأن هذه الفتاة شرفنا وكيف لنا أن نتركها تقضي فترة زمنية في السجن وأن الأمر لا يتعدى ورقة يتم إستصدارها من السفارة ، ولكن دون جدوى فقد كانت قلوبهم صدئة أو لربما لا يمتلكون قلوب ، فلم أجد بداً إلا أن أذهب لصاحب القلب الكبير الذي رحب بنا جميعاً وتركت الزوج يشرح له المشكلة ، فما كان منه إلا أن يقف منزعجاً غاضباً من موقف موظفيه وأخذ سماعة الهاتف وهاتف أحدهم قائلاً له : يا فلان أمعقولة تقبلون أن إبنتنا تـُسجـَن والحل بأيدينا ؟ وأردف قائلاً بنبرة غضب الآن تصدر الخطاب المطلوب وتناوله للمعنية بالأمر .. 

 

     كانت هذه القصص الثلاث التي عايشتها مع معالي وزير الخارجية الدكتور شائع محسن الزنداني حينما كان سفيراً لسفارتنا في الرياض الذي أستطيع أن أطلق عليه ( مـَدرَسة التفاني والإنسانية ) ، مع العلم بأنها كانت أكثر من تلك القصص ولكني أخترت تلك الثلاث لـِعظـَمها ولم أذكرها إلا بعد أن غادر السفارة حتى لا يقال عني مداهن له ، ففي السابق كنت لا أدخل مكتبه إلا لأمر هام أو مشكلة لأحدهم فقد كان يسهل لي الدخول إليه سريعاً ولا يعني ذلك بأنه يصعب على الآخرين الدخول إليه بل كان بمواعيد منتظمة ، وما كتبت هذا المقال إلا بعد أن صار وزيراً وأعلم جيداً بأنه لا يمكن الدخول لمكتبه لأنني لا أمتلك الصفة التي أستطيع الدخول بها لمقابلته ، وأرجو عندما يقرأ مقال هذا أن لا يغضب مني للبوح بأشياء قد تكون من ضمن أسرار عمله وليعلم أيضاً بأني لو إستفضت بكل شيء فلن أوفيه حقه ، بالإضافة إلى أنني ما رميت كل ذلك إلا لأهمز وألمز كافة المسؤولين في الحكومة اليمنية بأنهم لو يمتلكون القليل من مشاعر هذا الرجل لشعر كل مواطن يمني بكرامته التي إنتزعتها كبرة وغرور وغطرسة وتعالي المسؤول اليمني تجاه مواطنيه .. فألف تحية وإجلال لسفير الإنسانية معالي الدكتور شائع محسن الزنداني .

علي هيثم الميسري

الحجر الصحفي في زمن الحوثي