الانتقام الايراني .. والرد الاسرائيلي ..!!

ابراهيم ناصر الجرافي
الأحد ، ١٤ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٨:١٧ مساءً

 

إن قيام النظام الايراني بالهجوم المباشر على اسرائيل هو خطوة جريئة وغير مسبوقة في تاريخ العلاقة بين الطرفين ، تلك العلاقة التي كانت تسير وفق قواعد اشتباك محددة منذ فترة طويلة ، كان من أهم معالمها إدارة الصراع بينهما بالوكالة ، فلم يحدث أن هاجم أي منهما الطرف الآخر بشكل مباشر ، حيث كانت تكتفي اسرائيل بقصف وضرب معسكرات ومواقع القوات الايرانية المتواجد في لبنان وسوريا والعراق ، وكذلك الحال بالنسبة للنظام الايراني فقد كان يدير صراعه مع اسرائيل من خارج الحدود الايرانية ، وهذه هي المرة الأولى التي يقوم فيها هذا النظام بالهجوم المباشر والكبير على اسرائيل من داخل الأراضي الايرانية ، ومعنى ذلك أننا أمام فصل جديد من الصراع بين الطرفين سوف يكون عنوانه ( المواجهة المباشرة ) ، والمتابع والباحث في هذا الموضوع سوف يدرك على الفور بأن النظام الايراني قد تجنب طوال الفترة السابقة المواجهة المباشرة مع اسرائيل ، ولكن قيام اسرائيل بضرب السفارة الايرانية في دمشق وقتل من كان بداخلها من قيادات سياسية وعسكرية ، هو السبب الرئيسي لتغيير قواعد الاشتباك ، فقد اعتبره النظام الايراني عمل عدواني واستفزازي وانتهاك سافر لسيادته لا يمكن السكوت عنه أو الاكتفاء بالرد عليه عبر قواعد الاشتباك السابقة ، لأن في ذلك انتقاص لهيبته ومكانته وسيادته ، وسوف يظهره ضعيف أمام شعبه وحلفائه ..!! 

 

نعم إن قيام النظام الايراني بذلك الهجوم الكبير بالصواريخ والمسيرات هو إعلان صريح بأن سياسة الصبر الاستراتيجي قد انتهت ، وبدأت مرحلة الرد والانتقام المباشر من اسرائيل ، وتنفيذ ذلك الهجوم بذلك الحجم هو انتقام قوي لقصف السفارة الايرانية في دمشق ، وهو بدون شك يمثل رد اعتبار للسيادة الايرانية ، بغض النظر عن حجم الخسائر البشرية والمادية الناتجة عنه ، فالقيام بالهجوم في حد ذاته هو تحدي كبير للجيش الاسرائيلي والإدارة الامريكية ، وتهديد وجودي للدولة الاسرائيلية التي لم تتعرض منذ وجودها على أرض فلسطين لهكذا هجوم عسكري جوي بهذا الحجم والكثافة ، وكما وقلت سابقا بغض النظر عن آثار هذا الهجوم ، فالمسألة بالنسبة لإسرائيل ليس الخسائر بقدر مساسه بهيبة الجيش الاسرائيلي الذي تسعى إلى رسم صوره عنه بأنه لا يقهر ، وبقدر الشعور بخيبة الأمل في عدم قدرة القبة الحديدية والتكنولوجيا العسكرية الاسرائيلية المتطورة في التعامل مع كل الصواريخ والمسيرات المهاجمة ، وتمكن عدد منها بالوصول إلى العمق الاسرائيلي وتحقيق اصابات مباشرة نتج عنها بعض الخسائر المادية دون وقوع خسائر بشرية حسب تصريح الناطق بإسم الجيش الاسرائيلي ، وقول البعض بأن اسرائيل تخفي خسائرها البشرية غير صحيح ، فلو كان هناك خسائر بشرية إسرائيلية فإنها لن تتردد في عرضها حتى تكسب تعاطف الرأي العام العالمي ..!! 

 

وبعد تنفيذ النظام الايراني لتهديداته ضد اسرائيل وانتقامه منها ، انتقلت الكرة إلى ملعب إسرائيل بعد أن ظلت فترة طويلة في ملعب إيران ، وإذا كان الهجوم الاسرائيلي على السفارة الايرانية في دمشق بمثابة انتهاك للسيادة الايرانية وتهديد للمصالح الايرانية ، فإن الهجوم الايراني على اسرائيل هو بمثابة تهديد وجودي لإسرائيل ، وهو ما يجعل القيادة الاسرائيلية أمام خيارين لا ثالث لهما ، فإما الرد العسكري المباشر والقوي ، الذي يحفظ لها هيبتها ومكانتها وتفوقها العسكري في المنطقة ، أو الاحتفاظ بحق الرد والاستعداد لتلقي المزيد من الهجمات والصفعات من كل الجهات ، طبعا البعض يذهب إلى أن ما يحدث بين ايران واسرائيل ليس أكثر من مسرحية ، وأنا لست مع هذا الرأي فما يحدث هو مواجهة حقيقية ومباشرة بين الطرفين ، وذلك لأن مصالح الطرفين وصلت لحالة من التعارض والتصادم ، حتى لو كان هناك حالة من تلاقي المصالح بين الطرفين في مراحل تاريخية سابقة ( عدائهما للنظام العراقي السابق إنموذجاً ) ..!! 

 

فالمصالح السياسية ليست ثابتة بل متحركة وديناميكية ومتغيرة ومتبدلة ، فقد تتلاقى في فترات تاريخية وقد تتصادم وتتعارض في فترات تاريخية أخرى ، وما يحدث اليوم من تطورات عسكرية بين إيران واسرائيل هو النتيجة الطبيعية لتصادم وتعارض مصالح الطرفين في الوقت الراهن ، فالنظام الايراني بعد أن امتلك فائض قوة عسكرية ، وتمكن من إنشاء تحالفات قوية إقليمية ودولية ، وأصبح يسيطر على القرار السياسي في عدد من دول المنطقة بعد أن تمكن حلفاؤه من حكمها والسيطرة عليها بفضل دعمه الكبير لهم ، بدأ يشعر أن من حقه فرض سياساته وأفكاره والتحرك في المنطقة كقوة اقليمية لها دورها وثقلها ومصالحها ، وعلى الدول الكبرى التي لها نفوذ وحضور ومصالح في المنطقة وفي مقدمتها امريكا وبريطانيا أن تتعامل معه على هذا الأساس ، ما لم فإنه سوف يفرض سياساته ومصالحه بالقوة ، حتى لو اضطره الأمر إلى تهديد مصالحها وتهديد حلفائها ، وإثارة الحروب والصراعات والفوضى في المنطقة بكاملها ، وهذا ما يحدث اليوم حرفيا وواقعيا ، فمصالح إيران باتت اليوم تتعارض وتتصادم مع مصالح امريكا وبريطانيا ، وبما أن اسرائيل حليف استراتيجي لهذه الدول فمن الطبيعي أن تتعارض وتتصادم مصالحها مع ايران ، والسؤال المطروح اليوم هل سيكتفي الطرفان بما حدث ويتوقفان عن التصعيد ، وإذا ردت إسرائيل على الهجوم الايراني وهذا هو الأرجح ، فكيف سيكون حجم ونوع هذا الرد ، الساعات القليلة القادمة حبلى بالاخبار والمفاجآت ..!!

الحجر الصحفي في زمن الحوثي