الرئيسية > جولة الفن > رحيل مبكّر لرائد الثقافة وسادن اللغة

رحيل مبكّر لرائد الثقافة وسادن اللغة

" class="main-news-image img


آ 

فُجِعت المقارمة والزكيرة وصدان في الشمايتين برحيل رائد الثقافة وسادن اللغة الأستاذ محفوظ المقرمي؛ حيث كان علمًا من أعلامها البارزين في مجال الفكر والثقافة واللغة والأدب، له الفضل الكبير في غرس أبجديات الثقافة والفكر المتحرر من القيود الإيديولوجية المعتقة، إلى عصر التنوير مدافعاً عن الحرية ومحارباً للعنصرية والتعصبات الحزبية، أستاذًا تربويًا ورائداً ثقافيًا ومفكراً وأديبا.

بكاه طلابه الذي تعلّموا على يده أبجديات اللغة العربية والنصوص الأدبية وتذوقوا الشعر العربي من أستاذٍ كان يلقبه طلابه "سيبويه عصره"؛ فنهلوا منه بواكير علومهم اللغوية والأدبية حتى أصبح أغلب طلابه شعراء وأدباء بارزين نتباهى بهم في كل محفل.

كان الأستاذ محفوظ المقرمي يعمل بعيدًا عن الأضواء والمظاهر البراقة الخداعة ولم ينل حظه من الشهرة وما كان يبحث عنها، فقد حمل رسالته الفكرية والثقافية وكان وفيًا للغة حامياً لها، محبًّا للأدب شغوفًا به؛ حببه في قلوب طلابه، لبيباً في فكره المستنير الذي يحمل مشاعل التنوير، فكان كالشغلة التي تحترق لتضيء للآخرين دروبهم، وجسّد دوره الريادي بكل إخلاصٍ وكان مثالاً للمعلم والمربي والمثقف والمفكر، وحين استهوته الأحزاب وعافها ورفض الأصنام الورقية حالت دون غاياته إلى درجةٍ كان التحذير من مجلسه من المتعصبيين حزبيًا "كفوبيا" ليثنوه عن مرامه بيد أنهم انهزموا ومضى في فكره التنويري الحداثي الذي يعشق كل فن ويهوى التطلّع للمعرفة وكل جديد، فما إن تدخل مجلسه تجده متصلاً بوسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة لنقل كل جديد في مجاله إلى طلابه، وتجد في مجلسه الشاعر والمثقف والصحفي والإعلامي والمهندس والطبيب والمزارع والنجار والبناء وجمعيهم مغرمٌ بتواضعه وبساطته ومرحه وفكره المضيء، جسّد في فكرهم العدالة والمساواة والتواضع وحب الخير، يجلس وحوله الأوراق والمجلات الحديثة والمذياع والتلفزيون أمامه والكتب والمراجع حول مجلسه منهمكٍ بعملٍ دؤوب، ويخلق الفرصة للتواصل مع الجميع والضحك مع هذا وذاك وكأنه خُلق لإسعاد الناس وحسب، وتجد مكتبته العامرة بمختلف المؤلفات والمراجع كأولئك المفكرين العظماء الذين كان لهم الفضل في تغيير فكر مجتمعهم والنهضة بشعوبهم نحو مواكبة التقدم الحضاري.

في منتصف الثمانينيات بدأ الأستاذ محفوظ بغرس بذور المعرفة في عقول طلابه الذين أصبحوا اليوم كالنجوم المضيئة في سماء اليمن واهتم بتربية شباب متطلع للمعرفة بشغف فخلق بيئة تنافسية بين الطلاب عبر الأنشطة الثقافية التي كان يتبناها والمسابقات التي كان يرفد جوائزها من مكتبته الخاصة والمجلات المتميزة التي لا تجدها إلى في أرففه الأنيقة فكان له الفضل في البدايات الأولى للرحلات الترفيهية والمسابقات الثقافية البعيدة عن الحزبية وكل همه نشأة جيلٍ متحررٍ من القيود متطلع نحو معرفة كل جديد من الثقافات التي تسهم في نهضة الفكر؛ فواجه ما واجه من تحديات تجاوزها بكل قوة واقتدار وإن كان لها أثرٌ على حياته الاجتماعية حد القطيعة من أقرب الأقربين لكنه عذرهم على إيمانٍ ويقين بندمهم عن معرفة الصواب من الخطأ ولم تخلق لديه سوى التحدي والمضي قدماً حتى أنتج جيلاً قادراً على الإبداع.

عَمِل أستاذًا للغة العربية وآدابها لمختلف المستويات الدراسية فكان المرجع في كل علومها والحُجَّة في اللغة لا يُعلى عليه في جيله متميزًا في أسلوبه، متسلحًا بالمعرفة يرتدي ثوب التواضع سبيلاً فتهوى إليه قلوب مريديه من الطلاب والأصدقاء، فهو في المدرسة أستاذاً يوازن بين الحزم واللين، وخارج المدرسة صديقًا مرحًا يحب الدعابة، ويهوى الفن والأدب، ويُشجع الإبداع فقد كان له الفضل في تأسيس أول النشرات الورقية وتعليم طلابه فن كتابة المقالة والخبر الصحفي يُراجع أعمالهم ويدعم أنشطتهم ويبرزها وينمّي مواهبهم ويصقلها ولا يتركهم حتى يصلوا إلى النجومية فيشعر بالسعادة الغامرة بنجاح طلابه، ويحثهم على الاستمرار ويخلق فيهم روح التحدي والصبر والصمود لمواجهة العقبات حتى يحققوا غاياتهم فتجد طلابه يتصدرون الأسماء الأولى في صفحات الصحف الأدبية والثقافية على مستوى اليمن.

في سنواته الأخيرة كان قد بدأ بجمع الموروث الشعبي من الأمثال وغيرها من الشعر الشعبي المتوارث لشرحه وجمعه في كتاب يحفظ تاريخنا لولا المرض الذي ألمّ به فجأة فحال بينه وبين مشروعه قبل أن يرى النور، وسنبذل جهدنا بإذن الله لحفظه ونشره وعلى أمل أن تكمل مشواره ابنته النجيبة ريم الشاعرة في صغرها واللغوية والأديبة الفذة التي ورثت عن أبيها كل كنوز الفكر واللغة والأدب، يحفظها المولى، ويرحم والدها العزيز الذي رحل باكرًا، وما قدرناه قدره في حياته ولا عرفنا قيمته الحقيقية في المجتمع إلا بعد رحيله، وفي الليلة الظلماء يُفتقد البدرُ .. رحمك الله يا أخي وأستاذي وابن عمي وصديقي، أسأل الله أن يسكنك الفردوس الأعلى


الحجر الصحفي في زمن الحوثي