ثورة أكتوبر والتضاد العجيب

محمد قشمر
السبت ، ١٤ اكتوبر ٢٠١٧ الساعة ٠٨:٤٧ مساءً

الشعوب دائماً تواقة الى العلا وتواقة الى المستوى الأفضل للمعيشة ، و الشعوب الحرة كما تحب أن تعيش في شيء من الرخاء والاستقرار والرفاهية فهي أيضاً لا تحب العيش تحت وطأة الذل أو الاستعمار والانكسار الوطني . 


كانت عدن في فترةٍ من التاريخ قابعةً تحت وطأة الاحتلال الأجنبي الذي كان متخذاً من تلك الجوهرة اليمنية منبع الخير والثراء للخزينة البريطانية التي كانت تستفيد بشكل مهول من المدينة المميزة بموقعها  الفريد .. 


كل من عاصر تلك الفترة من تاريخ عدن يؤكد بأنها كانت جوهرة الجزيرة العربية ووجها المشرق في ظل الاحتلال البريطاني ، وللإنصاف بأن ذلك التطور وتلك النهضة لمدينة عدن كانت نتيجة طبيعية للوجود الاستعماري فيها الذي اخذ منها ما اخذ وأوجد فيها ما اوجد .  حتى وان أخذ اكثر مما أعطى وهذه طبيعة الاستعمار.


لكن كانت الطبيعة الحرة للشعب اليمني في جنوب الوطن تأنف أن تعيش في ظل ذلك الاستعمار خصوصاً وأن أغلب مناطق الجنوب كانت تعيش بشيء من البعد عن الحضارة والمدنية الحديثة في تلك الفترة .


هب الأحرار من أبناء اليمن قاطبة لتحرير الجنوب المحتل من قبضة الاستعمار البريطاني وتم ذلك بفضل الله في 14 أكتوبر 1963 والذي تتوج بخروج اخر مستعمر في 1967 للميلاد . 


هنا بدأت التحولات وشعر الشعب بالغبطة والسعادة كونهم خرجوا من تحت العبودية الى عالم الحرية ، مضت قوافل الشعب تحلم بأن يكون غدهم أفضل من الأمس وأن الحكام الوطنيين من أبناء اليمن سيكونون الأرحم بأخوتهم وبأرضهم ،،


 كانت أحلاماً تناطح السحاب ، الا أن الواقع والصراع من أجل الوصول الى التحقيق والاستفادة القصوى من الثورة للأفراد او الفئات او الجماعات كانت هي القاصمة لظهر الشعب سواءً في الشمال ام الجنوب . كان أبناء الجنوب في بداية الولوج الى عالم جديد لكن التغيرات العالمية والصراع الدولي والسباق من أجل كسب الحلفاء وخصوصاً في الشرق الأوسط كان له أثره السلبي على الأوطان العربية الخارجة من تحت عباءة المحتل الى عباءة مختلٍ آخر ، 


عدن على وجه الخصوص والتي كان قبلة التجارة العالمية وثالث أفضل وأهم ميناء على مستوى العالم بدأت بالعودة الى الوراء . تراجعت ثم تراجعت ثم تراجعت عن مكانتها العالمية حتى أصبحت عبارة عن أطلال تقبع تحت ظل الاستعمار الشمولي الاشتراكي التبعي للمعسكر السوفيتي ومعه فقدت مناطق الجنوب وجودها العالمي واستقرارها ونموها الاقتصادي ليعود الشعب مكسوراً مجرداً من كل أحلامه التي بناها بعد الثورة الاكتوبرية المباركة ،،


 عاشت مناطق الجنوب تحت السوط والنار والجلاد يحكم بالقوة والجبروت وانتهت مع تلك السياسة فترة القوة والموقع الاقتصاديين للجنوب اليمني عموماً ولعدن على وجه الخصوص ، في فترة الخمول والانكسار والركود حدثت التغيرات العالمية والتي اعادت تشكيل الخارطة العالمية ومنها اليمن الذي كان يمنان ثم اصبح يمناً واحداً بعد إندحار الفكر الشمولي المبني على الأسس الاشتراكية ودخلت اليمن في وحدة كانت غريبة في حينها خصوصاً ان العالم كان يتشطر الى دول والى دويلات ...

 

للأسف الوحدة اليمنية رافقتها الكثير من الاختلالات التي ساهمت فيما بعد بأن كانت الأرض اليمنية الجنوبية عبارة عن غنيمة لمجموعة من القيادات اليمنية رغم أنها خرجت من عنق الزجاجة بعد الوحدة وحدث في المحافظات الجنوبية نهضة بنيوية كبيرة جعلت الاحلام تعود من جديد الى أفكار اليمنيين لعل وعسى أن تعود عدن رائدة في التاريخ العربي كمدينة نهضة اقتصادية مميزة . وتعود الانتكاسات الى اليمنيين بعد زمن يسير من النشوة ليشعر كل أبناء اليمن أن الأقدار دائماً تجعل في طرق حريتهم أشخاص هم أقزام في دائرة العمل الوطني تتوفر لهم الظروف ليكونوا قادة وحكاماً للأرض والانسان . 

 


الان المحافظات الجنوبية تعيش فترة مخاض جديد والكل اصبح يخشى ما يخشاه مما يمكن أن يخبئه لهم القدر خلف كل تلك الوجوه التي تحمل القمع والقتل والاقصاء كقاعدة قوية ومهمة واساسية في بناء دولتهم التي يحلمون بإقامتها في المناطق الجنوبية من الوطن اليمني .


الان الشعب اليمني يعيش في حيرة ٍ من أمره كيف يمكنه أن يواجه المشاريع الصغيرة التي دائماً تقيد طموحه العظيمة على حساب طموح كافة أبناء المحافظات الجنوبية . كيف يمكن لمجموعةٍ تابعةٍ لا تعرف معنى القيادة الحكيمة ولا تعرف المعاني السامية للولاء الوطني أن تكون هي المخلص لهم من الفساد والاستغلال الذي عايشه اليمنيين عموما من الحكام السابقين .

 

هل ستستمر مسلسلات الضياع اليمني اليمني وانهيار الاحلام المتراكمة لبناء دولةٍ مدنيةٍ تحترم الحقوق والحريات لكافة اليمنين بكافة اطيافهم ومذاهبهم السياسية . أم أن للشعب رأيٌ آخر . هذا ما ستبديه لنا الأحداث في قادم الأيام .

الحجر الصحفي في زمن الحوثي